تدوينات تونسية

يا يسار تونِس كفاك تِيهًا

المنجي السعيدي

موجة من الانتقادات العميقة تجتاح ما يسمّى اليسار التونسي من داخله. وهدير أصوات تتعالى من هنا وهناك محاوِلة مَوْقَعَة اليسار في ساحته الحقيقية ودفع العقل اليساري الذي ظلّ -على عكس كلّ العقول- متكلّسا ومتحجّرا ورجعيًّا الى أبعد الحدود حتّى في تحلِيلِه لأبسط الظواهر أو الاشكاليّات، الى التّطور والانفتاح والتعقُّلِ.

ومَرَدُّ ذلك أنّ لُوبيًا يتربّع على رأس اليسار ويجثُمُ على صدره فيخنُق كلّ الأنْفاس التي تدعو الى المراجعات أو اعادة النّظر في المرجعيّات أو التَناغُم مع الكشوف العلْميّة في كلّ مجالات الحياة. هذا اللّوبي الذي تتزعّمه مجموعة من الزّعامات الاصطناعيّة والتي لا تفقه من الواقع شيئا غير ترديدٍ بَبّاغَوِيٍّ لمقولات أصبحتْ مجْلبَةً للضّحك والتّندّر والسّخرية في كل أرجاء العالم، مقولات يغذّيها الخوْف من الآخر المختلِف، والفزعُ من الرّأي المخالف، والرّعْبُ منْ نسَماتِ الحرّية التي بدأتْ تكْتسح العالم الذي لم يَعُدْ يقْنَع بأنّ الانسان مجرّد آلة مسخّرةٍ بِيَدِ دولة مستبِدّة تأخذ منه كلّ طاقته وتعطيه بقدْرِ حاجتِه وتصادِرُ حقّه في الابداع والاضافة والتّفكير والاعتقادِ والتحرّر والتّملّك،
عالمٌ لمْ يعدْ يؤْمِن بأنّ المرأة متاعٌ قلْبها للحِزْبِ وجسدها للجميع، عالم لم تعد تستهويه أحلام حكْم البروليتاريا وتعميق التّقسيمات بيْن أبناء الشّعب الواحد واراقة الدّماء باسم العنْف الثوري وصراع الطبقات،
عالم أصبح يتُوق الى التآلف والتّعايش والانعتاق من كلّ قيود الايديولوجيا ليؤسِّس أفقًا يلتقي فيه متساكنو الأرض حوْل طاولة حوار يتسلّحُ فيها المحاور خلال ابداء رأيِه بِحجّةٍ ودلِيلٍ وبُرْهانٍ عوضا عن التسلّحِ بِسِلْسلةٍ أو خِنْجرٍ أو هراوة.
عالم يسْعى الى التّخلّص من كلّ العقبات التي تقِف حاجِزًا أمام الاستمتاع بالوجود والتمتّع بالجمال الذي أودعه الله في الكون: جمال الكلِمة والرأي السّداد والابتِسامة ونبرة الحبّ في نظرات العيون.
فهل يتخلّص اليسار التّونسي من لوبيات التحجّر والانغلاق وسماسرة السياسة ومرتزقة أعقاب اللّيلِ المظْلِم الذين لم تنْفتِحْ أعيُنُهم بعْدُ على ابداعات رفاقهم في ما كان يسمّى قدِيما العالم الشيوعي ؟؟؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock