تدوينات تونسية

لماذا انتفخوا وعلا ضجيجهم ؟

صالح التيزاوي
عندما ظهر برهان على قناة الجزيرة ليلة هروب المخلوع في محاولة بائسة (ليس لإقناع التونسيين) ولكن لإقناع داوائر القرار العالمي وخاصًة الأمريكان والفرنسيس بضرورة التّمسًك بالمخلوع، في النّهاية هو “رجلهم” والمؤتمن على مصالحهم.
وقد كان ليلتها شاحب الوجه يبتلع ريقه بصعوبة كمن كان يصارع الغرق. وبعد أن هرب المخلوع تاركا وراءه عيالا ألفوا أن يأكلوا من فتاة موائده خلنا أنّ تلك الوجوه النّوفمبريًة ستختفي إلى الأبد. وبالفعل فقد دخلوا جحورا لم تلبث أن حوّلوها إلى غرف مظلمة للمكر بالثّورة. وسرعان ما التقطوا أنفاسهم واستوعبوا الصّدمة وخرجوا من كلّ حدب ينسلون وفي كلّ حقل يرتعون مؤيّدين من الدّولة العميقة التي ظلّت منحازة لهم. ولا شكّ أنّهم وجدوا في اختلاف ضحايا الأمس الذين أخذ كلّ منهم مسلكا بعد الثّورة فرصة لتحقيق حلم العودة، ولا أستثني من المسؤوليّة أحدا من الذين حكموا أو الذين عارضوا.
لا شكّ أنّ أصواتهم ارتفعت بدافع من الخوف على رؤوسهم ومصالحهم فيما لو تمكًنت الثّورة من إحداث تغييرات عميقة في المجتمع. ارتفعت أصواتهم لتداري شعورا بالإنكسار تجاه مناضلي الأمس الذين رفضوا أن يطأطئوا رؤوسهم للإستبداد. وستظلّ مواكب الشّهداء وهم يسقطون تباعا، وستظلّ صور المناضلين وهي تمرّ بهم في يقظتهم وفي منامهم وتلك الشّهادات المنبعثة من هيئة الحقيقة والكرامة أشواكا مغروسة في حلوقهم تذكّرهم بماضيهم المخزي.
وستظلّ تلك الشّعارات: “الله أحد وبن علي ما كيفو حد” وتلك البطاقة البائسة “لماذا نحبهّ ؟” وتلك العناوين التي يصدّرون بها جرائد لا يقرؤها أحد من قبيل: “بلحسن الطرابلسي يكتب: من أجل تطوير عمليّة المناشدة” شاهدة على حقارة منقطعة النّظير.
وستظلّ أسماء مدن وجهات بحالها وهي تهتف: “الشّغل استحقاق يا يا عصابة السّرّاق” في “الرقاب” و”منزل بوزيّان” و”بنزرت” و”العاصمة” و”صفاقس” تسبّب لهم خجلا من أنفسهم ومن تاريخهم. وستبقى أحداث الحوض المنجمي تذكّرهم ببداية النّهاية. كما ستبقى تواريخ بعينها: “17 ديسمبر” و”14 جانفي” تسبّب لهم وجعا دائما لن يتخلّصوا منه مهما علت أصواتهم وارتفع ضجيجهم الإعلامي.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock