تدوينات تونسية

المفاجأة.. الصدمة.. خارج التوقعات !

محمد إلهامي

طبقا للتسريب الصوتي عما جرى في الواحات، أن الحملة الأمنية كانت تستعد لصيدة كبيرة، لكنها فوجئت بأنها في “مواجهة حقيقية”.. هنا انقلب الحال، “وكل واحد اتعامل مع نفسه”، وصاروا هم فريسة سهلة!
نفس ما حصل هنا هو نفس ما حصل لكثير ممن يُحسبون على الثورة.. ربما أغلبهم لم يعرف من الثورة إلا الوقفة والهتاف في ميدان التحرير “مش هنمشي.. هو يمشي”! ولم يشهدوا معارك 28 يناير عند أقسام الشرطة.. وهي المعارك التي حسمت الثورة بكسرها للشرطة.
هؤلاء فوجئوا أنهم يدخلون مواجهة حقيقية.. وهنا انقلب الحال، “وكل واحد اتعامل مع نفسه”، وأنتج نظريته اللوذعية الألمية التي يجب أن تكون نهايتها: شهداء الوطن والإرهابيين.. أو على الأقل: إن الطرفين ولاد كلب، ومحدش بيمثلني، والدم كله حرام، وربنا يولي من يصلح!!!
ثم كلام كثير عن القانون والعدالة والمحاكم.. كلام يدل على أن نظرتهم في الثورة نظرة مثالية مخملية خلاصتها: الدولة تصحح وتطهر نفسها بنفسها.. ورغم أن كثيرا منهم ضحايا لفشل الثورة التي سارت بهذا المنطق فعلا، إلا أنهم لم يحاولوا الخروج من صندوق نظريتهم المخملي الجميل الذي يتمنى أن تسير الأمور كما يتخيلها:
النظام بضغوط سلمية ومدنية يسمح بالتظاهر السلمي.. التظاهر السلمي يكبر ويتحول إلى اعتصامات سلمية.. النظام يسقط.. الثورة تنتصر.. الثورة تصنع محاكم وعدالة انتقالية يستسلم لها رجال النظام السابق.. ونعيش في تبات ونبات وتوتة توتة فرغت الحدوتة!
ورغم أن كل هذا قد سُحِق ونُسِف وانتهى تحت جنازير الدبابة.. فإن الخيال الذي لم يتسع لرؤية شيء آخر يتمسك بالصورة المسحوقة الجميلة ويحاول إعادة إنتاجها.. ولا سبيل أمامه إلا أن يتمسك بأن كل ما يجري هو كابوس سيئ سيستيقظ منه حتما.. حتما شرفاء الجيش ستحركون لإسقاط السيسي.. حتما شرفاء المخابرات لن يقبلوا بالتفريط في أرض مصر أو في أمنها القومي.. حتما شرفاء الشرطة سيستيقظ ضميرهم.. حتما شرفاء القضاء لن يتنازلوا عن سيادة القانون!!!
والشرفاء لا يأتون ولا يظهرون.. ويطول الانتظار..
وكل هذا إنما هو هروب من حقيقة أن الدولة نفسها هي آلة توحش، ومؤسساتها هي أدوات ووسائل تمارس بها السيطرة العنيفة القاهرة على المجتمع.. فهو هروب من عبء التكاليف المترتبة على هذه الحقيقة.
تماما كما رغب قيادات الإخوان أن يصدقوا أن السيسي معهم ولن ينقلب عليهم، لأن أي تفكير حقيقي في مسألة الانقلاب الوشيك سيعني أن عليهم عبء مواجهة حقيقية مع الجيش لنجاح الثورة.. فما الحل؟!.. الحل أن نبقى غارقين في وهم أنهم لن ينقلبوا! والوهم لذيذ.. وكل ما يثبته ويؤكده لذيذ.. والسيسي من ناحيته لم يقصر في جرعات التخدير!
لست أجد تفسيرا آخر لكثير من مواقف أولئك المحسوبين على الثورة.. تفسير الصدمة العاطفية التي اكتشفت أن الأمور لا تجري إلا بصدامات عنيفة.. لأن قتلى الواحات هم الفئة التي يجتمع الجميع على كونهم أسوأ أدوات الدولة ويدها القذرة، ضباط أمن الدولة والقوات الخاصة.. أي أن كافة ما يكتبه المعارضون وكافة ما تدفقه القنوات المعارضة وكافة تقارير الحقوقيين وكافة نداءات السياسيين إنما هي في الحقيقة تدين ما يفعله هؤلاء.. فأي شيء يجعلهم شهداء وطن؟!!
إنهم حتى بالوصف الحقوقي العلماني الوطني المحايد في دولة مستقرة: مجرمون ارتكبوا العديد من انتهاكات حقوق الإنسان.. فكيف تتحول نظرة “ثوار” يفترضون أن الصراع بينهم وبين النظام صراع صفري، إلى اعتبارهم شهداء؟!!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock