تدوينات تونسية

الفاجعة: جازيناهم جزاء “سنّمار”

صالح التيزاوي
عادت من جديد موجات الهجرة السّرّيّة لتخلّف هذه المرّة فاجعة بحجم اليأس الذي اجتاح قلوب الشّباب وحملهم على ركوب الموت وبحجم مرارة خيبة أملهم في ثورتهم. لقد عاشوا معاناتهم في صمت،وتوجّعوا من قهرهم في صمت، وانسحبوا إلى مصيرهم في صمت، فقضوا هناك وسط أمواج البحر تاركين وراءهم ضجيج نخب يملأ وسائل الإعلام بتفاهات وحقارات أسقطت من حساباتها ذلك الشّباب الذي ثار ذات شتاء على المخلوع فأعاد للوطن بريقه وألقه وللشّعب كرامته. ولكنّنا جازيناهم جزاء “سنمّار”.
انسحبوا إلى مصيرهم المؤلم احتجاجا على وطن لم يعد لهم سكنا، وما كان لهم في يوم وطنا بعد أن فكّوا قيوده وحرّروه من أسر المخلوع وزبانيته. فها هو اليوم وفي مشهد تراجيديّ يتّسع للفاسدين الذين أجرموا وعربدوا في البلاد بالطّول والعرض فراحت نخبه وسياسيوه يلهثون وراء مصالحتهم ويسترضونهم وهم الذين امتلأت جيوبهم وكروشهم من المال العامّ، فيما يضيق الوطن على شبابه، فأنكرهم وأنكر عليهم حقّهم في حلم بسيط: عمل يحفظ كرامتهم ويفتح في وجوههم أبواب الأمل. فهل هذا كثير على شباب ضحّى بدمائه ليحيا ألوطن ؟
أيّ وطن هذا الذي يلقي شبابه في ظلمات البحر ويطردهم من رحابه ويسترضي الأثرياء بكلّ صيغ العفو والسّماحة بدعوى التّشجيع على الإستثمار إلى حدّ الإعفاء من بعض المعاليم؟ فلولا الإستبداد وجشع الأثرياء ورداءة النّخب ما جاع أحد في وطن كان يقال عنه بأنّه: “مطمور روما”. وطن كان يؤمّن طعام إمبراطوريّة بأكملها. فكيف ضاق اليوم على بعض الألوف من أبنائه وغدا عاجزا عن أطعامهم وكسوتهمم ودوائهم بل وأسلمهم إمّا للموت إحباطا ويأسا وإمّا للموت غرقا تاركا في قلوب ذويهم وأحبابهم حسرة وكمدا. فهل هذا هو المعنى الحقيقي لقولهم “نموت نموت ويحيا الوطن”.
ولكن الوطن الذي يلقي بشبابه في البحر فهو يلقي معهم بأحلامه في التّقدّم ويقلّل من فرصه في ولوج باب الحضارة. كلّ أمم الأرض تحتفي بشبابها وتقدّم له الأفضل حتّى يبدع ويتعلّق بوطنه أكثر وأكثر ونحن في بلاد العرب نحاصره جوعا وفقرا ويأسا وإن صرخ من وطأة الوجع نشبعه سجنا وقهرا وإن بقي على قيد الحياة نلقي به في البحر ثمّ نتلهّى بالمأساة لأيّام ثمّ ننسى، كما نسينا قول اللّه تعالى “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”. فهل بات إكرام اليائس والمحبط غرقه.

سنمار مهندس يقال انه آرامي نبطي من سكان العراق الأصليين وينسب له بناء قصر الخورنق الشهير. يضرب به المثل “جزاء سنمار” حيث انه عند انتهائه من بناء القصر قال لصاحب القصر الذي هو الملك النعمان ان هناك آجرة لو زالت لسقط القصر كله، وأنه لا يعلم مكانها غيره، وأنه يستطيع بناء قصر أفضل من الخورنق، فما كان من صاحب القصر إلا أن ألقاه من أعلى القصر، كي لا يخبر أحدا عن تلك الآجرة ويعتقد ان هذا السبب في ضرب المثل

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock