تدوينات تونسية

القديم الذي لم يتغيّر… رأي للنّقاش

زهير إسماعيل
منسوب الحريّة المعمّد بدماء الشهداء غيّٰر حياتنا في مستوياتها المختلفة، ولا يهمّ إن كان بعض ما تغيّر لم يكن نحو الأفضل. حتّى القديم تبدّل وتأقلم مع مستجدّ الحريّة، وفي كثير من الأحيان كان هو الأكثر استفادة منه (عاجلا)، دون أن يضمن ذلك عدم تأثيره على طبيعة القديم ووجوده (آجلا).
لكن هذا لم يمنع بقاء بعض مكونات القديم في العتمة، ومنها اتحاد الشغل -قيادةً وسياسةً- فهو أحد أهمّ مكوّنات القديم التي لم تتغيّر. ولسنا في حاجة إلى التذكير بالمواقف والسياسات، إذ تكفي الإشارة إلى درجة الحذر والخوف والمداورة والنفاق في تعامل الأحزاب والشخصيات…الخ مع اتحاد الشغل وسياسته: تعامل هذه الجهات مع الاتحاد اليوم، صورة من تعاملها مع بن علي بالأمس. فهل يكون الاتحاد هو أحد مكونات النظام السياسي التي لم تتغيّر ؟
المهم هو أنّ طريقة التعامل هذه لا تنتمي إلى المشهد السياسي الحالي ولا إلى الحياة السياسيّة الجديدة ولا إلى المنظومة الديمقراطيّة. هي صورة من مشهد وحياة ومنظومة قد تتوفّر شروط عودتها،
ورغم ما تعرفه الحياة السياسيّة والحزبيّة من انهيار (سبر الآراء الأخير) ورغم الاتجاه الواضح إلى تقويض النظام السياسي وأساساته من هيئات دستورية وتعديلية، ورغم افتقاد منظومة الحكم لشرعيّتها، فإنّ المشهد السياسي مازال تحت سقف المنظومة الديمقراطيّة وتقاليد الحياة السياسية الجديدة ودستور الثورة.
المستقبل مفتوح على صمود المنظومة الديمقراطيّة كما انّه مفتوح على انهيارها، لكنّ وجود مكوّن من القديم خارج دائرة الضوء يمثّل نقطة الارتكاز حقيقيّة لاستعادة القديم، بعد ان كانت المهمة هي شطب شروط استمرار الجديد.
اتّحاد الشغل، منذ اغتيال فرحات حشّاد (1952) ومؤتمر صفاقس (1955)، اتجه لكي يكون جزءا من النظام السياسي ودولة الاستقلال المرتقبة، وحتّى الإضراب العام في 26 جانفي 1978 يمكن أن ينظر إليه من زواية صراع بين مراكز القوى داخل النّظام السياسي. وفي أحسن الحالات هو مواجهة بين الدولة ومجتمعها المدني الذي بنته. وهي مواجهة تختلف عن مواجهة الدولة مع “المجتمع الأهلي” (الهامش المفقّر المنتفض) والتي بلغت سقفها المواطني الاجتماعي ذات 17 ديسمبر. وفي مواجهة الدولة مع المجتمع الأهلي لا يمكن لـ”مجتمعها المدني” إلاّ أن يكون إلى جانبها، وقد تضطرّه السياقات إلى تغيير الأسلوب ولكن يبقى الجوهر هو الولاء لها ولنمطها المجتمعي (دور مهم للإيديولوجيات الشموليّة).
صرنا إلى شبه قانون يحكم علاقة الدولة بمجتمعها المدني: يظهر التناقض بين الجهتين عندما يكون المجتمع الأهلي ضعيفا (صدامات جانفي 78)، وحين يقوى المجتمع الأهلي وينتفض يكون المجتمع المدني أقرب إلى الدولة (تردد قيادة الاتحاد في الموقف من الانتفاض الاجتماعي الديسمبري، غير أن عنصر التسيس والوعي الاجتماعي قد يكونان من الأسباب التي تخرق جزئيا القانون المذكور: قطاع التعليم الثانوي كان متفاعلا مع الانتفاض ومطابه).
الانقسام ساحل/داخل، هو نفسه انقسام مجتمع مدني/مجتمع أهلي، وإنّ رأب الصدع يمثّل جوهر برنامج الجديد، في حين يمثّل استمرار الانقسام بمعادلاته التي استمرت ستين سنة، رغم الهزات، جوهر برنامج القديم. وهذه هي حقيقة الصراع الذي نعيش. لذلك فإنّ الفرز الأساسي اليوم يقوم على قاعدة رأب الصدع الاجتماعي وتوحيد البلاد باتجاه “المواطنة الاجتماعيّة السياديّة”، وعلى ضوء الموقف من هذه المهمّة يتميّز القديم من الجديد.
وسيكون لتوحيد البلاد اجتماعيا أثرا مباشرا على العمل النقابي والنضال العمالي في الرؤية والأسلوب والهدف.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock