تدوينات تونسية

آه… لو كان مظفّر النّوّاب حيّا

صالح التيزاوي
وأخيرا هلّت بشائر العلمانيّة في الإمارات وفي المملكة العربيّة السّعوديّة، بعد أن استوفت بنيتها التّحتيّة من ناحية الشّكل: ناطحات السّحاب التي غيّرت وجه الصّحراء. كما استكملت شروطها النّظريّة عبر تزعّم الثورة المضادّة لتخريب الرّبيع العربي والتبرّؤ من المقاومة الفلسطينيّة ونعتها بالإرهاب، وإعلان حرب لا هوادة فيها على جماعة الإخوان إلى حدّ الشّماتة بشهدائها في سجون السّيسي. هكذا يتصوّر يوسف العتيبة وبمثل هذا التّهريج يخيّل إليه وأنّه قد استوفي الشّروط الموضوعيّة لدولة علمانيّة. ولم يبق له إلا أن ينخرط في سياقها إرضاء للدوّائر الصّهيونيّة والإستعماريّة. فها هي السّعوديّة في ثوب جديد على وقع علمانيّة يوسف العتيبة تدشّن الإنخراط في عصر الحداثة بسهرات مختلطة وصاخبة حتّى مطلع الفجر استجابة في الظّاهر لمنظّر العلمانيّة الجديد يوسف العتيبة، وفي الحقيقة هي من تداعيات زيارة “ترامب”.
يقرّر “خدّام بيت الله الحرام” تعزيز انخراطهم في عالم ما بعد الحداثة من خلال “السّماح” للمراة السّعوديّة بقيادة السّيّارة. آه… ثمّ آه… لو كان مظفّر النّوّاب حيّا بيننا لكتب دون تردّد:
شكرا لكم على وطنيّتكم، فأنتم لا تربطكم صلة بأمريكا… لقد نشأتم علمانيين منذ المهد، ولهذا السّبب سمحتم للمرأة السّعوديّة بقيادة السّيّارة. ولم تتخلّف الفتوى الشّرعيّة كثيرا لإسناد “وليّ الأمر”.
لقد خرج جيش الفقهاء الشّحّاذين على عتبات الحكّام ليقولوا لنا بعد طول انتظار: “الحكم الشّرعي في قيادة المرأة للسّيّارة: “أنّ الأصل في الشّيء الإباحة”. ها قد حلّت المشكلة. فلماذا لم تطبّقوا هذه القاعدة الشرعيّة من قبل؟ أم أنّ جيش الشّحّاذين يصدر فتواه على حسب هوى حكّامه. لقد صرخ شعبكم من قبل، والمثقّفون من كلّ أنحاء الدّنيا وعلماء الأمّة المعتدلون أنّ حرمان المرأة من قيادة السّيّارة لا علاقة له بالحلال والحرام، وهو حقّ طبيعي. ألم تكفل الطّبيعة للمرأة كما الرّجل حقّ ركوب الحمير والبغال والجياد ؟ ولكنّكم تعنّتم مدفوعين بعادات قبليّة لا علاقة لها بالإسلام. فلمّا جاءكم الأمر من ترامب… أصبحت قيادة المرأة للسّيّارة حلالا في حلال.
علمانيّة يوسف العتيبة وآل سعود كما إسلامهم لا تتجاوز الأشكال. لقد استخدمت “مدن الملح” الإسلام لخداع الشّعوب وضمان ولائها لحكّام دأبوا على توارث السلّطة والثّروة كما يتوارثون المزارع. وها هم اليوم يستعملون العلمانيّة ليس لأنّهم اكتشفوا فوائدها، وليس لأنهم عازمون على النّفاذ إلى جوهرها، ولكن ليضمنوا حماية استعماريّة لعروشهم. لقد أرعبتهم الثّورات العربيّة، وزرعت في قلوبهم الخوف والهلع، لذلك لم يدّخروا جهدا ولا مالا لإجهاضها. صفقة خاسرة: الثّروة والقيم مقابل البقاء في الحكم. ذلك هو الخسران المبين.

يوسف العتيبة مبشر العلمانية

يوسف العتيبة في استعراض علماني

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock