تدوينات تونسية

العاقل من اتّعظ وحكّام مصر لا يعقلون

صالح التيزاوي
ما إن تمكّن عبد النّاصر من الحكم في مصر حتّى قام بتصفية خصومه. وأعلن نفسه أمينا للقوميّة العربيّة وفارسها الأوحد فحلّ الأحزاب وصادر حرّية الفكر والتّعبير متعلّلا بأن “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. زعم أنّه مشغول بـ “رصّ الصّفوف، كما ادّعى من بعده “آل الأسد”. ومعارك المواطنة والحرّيّة قد تشغله عن “معركة التّحرير”، وقد تعيق طريقه إلى الوحدة وإلى الإشتراكيّة واطلق زبانية الإتّحاد الإشتراكي يحصون على الشّعب أنفاسه حتّى غصّت السّجون. وانتهى به جنون العظمة ووحشيّة الإستبداد إلى إعدام الأديب والشّاعر والمفكّر الإسلامي سيّد قطب. لم تشفع له أعوامه السّتّون، ولم يشفع له علمه، كما لم تشفع لمهدي عاكف أعوامه التّسعون، ولا السّرطان الذي كان ينهش لحمه وعظامه، وترك من غير دواء حتّى فاضت روحه الطّاهرة، تشكو إلى اللّه ظلم البشر للبشر، وظلم الحكّام لمن هم مشمولون برعاية مصالحهم ومسؤولون عنهم أمام الله في محكمة العدل الإلهيّة.
كسر عبد النّاصر إرادة شعبه وبطش بطشة الجبّارين فتجرّع مرارة الهزيمة وذلّ الإنكسار في عقر داره وتحت أنظار عسكره. ثمّ قضى نحبه ولا وحدة حقّق ولا شبرا من الأراضي المحتلّة حرّر. فمن لم يحسن إدارة معارك المواطنة والحرّيّة لا ينتصر في معرك التّحرير. فماذا ينتظر السّيسي بعد أن اعتلى حكم مصر بالإحتيال ومكّن لنفسه بالبطش؟ هل يعتبر نفسه استثناء من حكم التّاريخ؟ مصر التي كانت هبة النّيل يأتيها رزقها من كلّ مكان، أصبحت على عهد العسكر، تستجدي “رزّها”، وأصبح الحزن وجبتها الأساسيّة على عهد السّيسي المنقلب. وها هي تودّع في صمت بطلا حقيقيّا من أبطالها قضى نحبه في سجن العسكر، ومنعت حتى من توديعه بإقامة الصّلاة على جثمانه. عبثا يحاول الطّغاة تغيير مسار التّاريخ…
اغتال الإحتلال الانقليزي حسن البنّا ثمّ رحل الإحتلال وبقي الإخوان. أعدم عبد النّاصر سيّد قطب ثمّ رحل وبقي الإخوان. هرول السّادات إلى الصّهاينة وارتمى في أحضانهم واسرف في إهانة شعبه فلقي مالقي، وبقي الإخوان. اقتفى حسني مبارك نهج سابقيه في الإنفراد بالحكم والتّضييق على أصحاب الرّاي فخلعته ثورة يناير والقت به في السّجون دون تنكيل وصعد الإخوان إلى الحكم في انتخابات حرّة وديمقراطيّة وفازوا في كلّ الإستحقاقات الإنتخابيّة، فماذا ينتظر السّيسي بعد الإنقلاب عليهم والتّنكيل بهم ؟ لن تخطئه عدالة السّماء وسيرحل كما رحل سابقوه من المستبدّين ولن تبكي عليه لا الأرض ولا السّماء… ولن يتسنّى له غسل شرفه مهما طال به العمر لما أجرم بحقّ شعبه. وستظلّ روح الشّيخ التسعينيّ وهي تفيض إلى بارئها في ليل غربتها تدهمه في اليقظة والمنام تحرمه راحة البال كما حرم سجينا مريضا من جرعة دواء.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock