تدوينات تونسية

نموذج الفراغ السعيد.. من أجل الإفاقة على الوهم القاتل

الحبيب بوعجيلة
نصف مليون مدمن.. 70 بالمائة منهم من الشباب.. نسب طلاق مرتفعة تقارب نصف نسب الزيجات في العام.. آلاف من المسافرين الى مناطق الارهاب وبؤر التوتر.. نسبة انقطاع عن التعليم تبلغ قرابة 100 الف متسرب.. فساد يستشري ليصل الى غذاء الشعب وشرابه.
تشكيل مصطنع لفسيفساء مجتمعية بآلاف الجمعيات الممولة من مراكز “التنمية الديمقراطية الغربية” وتنشيط “تنوع” تم تركيبه على عجل باسم “الأقليات العرقية” و”الدينية” لتتحول تونس الصغيرة المتجانسة الى مجتمع رائد يشكو فيه “البهائيون” و”المثليون” و”الملونون” و”اللادينيون” و”المرأة” وغيرهم من “الاضطهاد وليتفطن فيه فجأة عدد من التونسيين أنهم “أمازيغ اصليون” اضطهدهم عرب غُزاة منذ قرون لنستفيق ببركة “الديمقراطية الرائدة” أننا مجتمع ترقد فيه “الهويات المتعددة” التي قمعها “الاستبداد” و”التخلف الديني” ولابد من تحريرها واطلاق “تقاتلها” بعد أن تكفل “الخلجان” بزرع “مسلمين فاتحين” ينوبون الله في “الدفاع” عن الاسلام لتحلو “العركة”.
مشهد انتاج اعلامي وثقافي موغل في “الانعتاق” من كل ضوابط او مشتركات تحول فيه أعوان عبد الوهاب عبدالله ومهرجو الكباريهات وحرفاء مراكز الانتاج الفرونكو صهيوني ممن صمتوا دهرا عهد بن علي الى مقاتلين شرسين من اجل “الحرية” تحولت بمقتضاها منابر الاعلام المرئي والمسموع ومهرجانات السينما والمسرح الى ساحة “ثرثرة” بلا مشروع ولا قيم في بلد كان يطمح الى اعادة ترتيب ذاته المتصدعة لكنه اقتحم “العولمة” في سنوات قليلة ليصبح “أنموذجا” رائدا لما سماه “بودريار” بتعميم “البورنوغرافيا” وفوضى اللامعنى.
مشهد فكري مر من “سرديات” كلاب الحراسة على امتداد عقدين خُربت فيهما الجامعة والمدرسة لانتاج شعب بلا ملامح ولا حصانة ليذهب الآن الى ممارسة هدم معرفي بلا تأسيس وريبية فكرية بلا بناء باسم “حداثة أو ما بعد حداثة” مزعومتين لمقاومة “الارهاب” و”التطرف” أنتجتا “داعشية حداثية مقلوبة” أمام “داعشية دينوية بدوية” في تبادل أدوار وظيفي تحول فيه الجدل “الفكري” التونسي الى “بوزز اعلامي عامي” يتجرأ بجهل على “أقدس القضايا” من قراءة النص القرآني الى معالجة المدونة الفقهية وكتابة التاريخ ضمن مخطط “فوضى ابيستيمولوجية” و”غرائزية العقول” لنشر “اللاشيء” وانتاج “العدم” لشعب يحتاج رؤية جديدة لذاته وللآخر في عالم المشاريع الحضارية السميكة.
مشهد سياسي بعشرات الأحزاب و”المؤسسات” و”النجوم” دون مشاريع بناء وطني الا تناقر رموزه ومكوناته كل يوم على موضوع جديد يُصنع لهم من “قوة خفية” توهمهم بأنهم يفعلون ولكنها هي التي تحكم وتقرر مصير البلاد.
ذاك هو “النموذج” الذي يجب تجريبه في تونس حيث يشعر “الشعب” و”النخب” بأنهم في الحرية والديمقراطية ولكنهم في التيه والحلقة المفرغة حيث تموت الأحلام باللحم الفاسد أو بالافيون أو بالسياسة والتعدد بلا مشروع.
نزعم أن شعوبا عربية تعيش الآن ربيعا مؤلما وداميا لكنها تتفطن سريعا لما يُعد لها ورغم العذابات ستبني لنفسها مشروع تحررها الديمقراطي الحقيقي الوطني في مواجهة كذبة الديمقراطية الشكلانية الهدامة. هذه الشعوب وتجاربها ستكون هي نموذجنا الذي يجب أن نحذو حذوه حين نكف عن وهم ادعاء أننا النموذج. نحن النموذج المصنوع باشراف الأعداء رغم هدوئه الفاتن وتلك نماذج الشعوب رغم الدماء المرعبة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock