تدوينات تونسية

لولا الصدفة، لكان حقق لبلدنا الصغير رقما قياسيا في الإفلات من العقاب

كمال الشارني
إنها لسخرية مرة أن تعلن الصحافة الوطنية عن إيقاف شخص أثناء دورية أمنية عادية فتبين أنه موضوع 44 منشور تفتيش دون أن تطرح الأسئلة الحقيقية حول سر نجاته وحصانته كل هذه المدة حتى اقترف هذا الحجم الهائل من الجرائم ؟ يعني كان في دولة أخرى أو في منطقة محررة خارج سلطة الدولة ؟ يعني أنه لا أحد فكر، في وزارة البوليسية في أن يذهب إليه، لكي يترك له حتى استدعاء مثلا في الوقت الذي لا يتردد فيه أعوان هذه الوزارة في تهشيم وجه صحفي لمجرد أنه كان في المكان الخطأ ؟ في الوقت الذي لا يجد البوليسية أي حرج في إخراج أي مشوش على النظام من كرش الحوتة، من بطن أمه إن لزم الأمر.
وما معنى أن يترك منحرف خطير يقترف كل هذا العدد المهول من الجرائم دون إيقاف، دون أن يقرر أحد يملك حدا أدنى من النية الصادقة في حماية الأرملة واليتيم وعاملة المصنع والعائد بزوز فرنك إلى أولاده الأربعة وزوجته وأمه العجوز ومن لا قدرة له على حماية نفسه بنفسه من أمثال هؤلاء ؟
في دولة تحترم نفسها، يفترض أن يقف وزير الداخلية بنفسه لكي يفسر لنواب الشعب كيف أن منحرفا مثل هذا استمر في ممارسة جرائمه حتى بلغ 44 جريمة بين سلب وعنف واغتصاب وسطو ومحاولات قتل، حتى وقع صدفة، حقا صدفة، بين أيدي أعوان دورية أمن عادية، لولا الصدفة، لربما كان حقق لبلدنا الصغير رقما قياسيا عالميا في الإفلات من المحاسبة، مثل ‪‬ 99 “جريمة بلا إيقاف ولا محاسبة‪”‬، بعدها، لا هو يتذكرها ولا حتى الحاكم نفسه قادر على إحصائها، ربما يحظى بضم العقوبات إلى بعضها، إذا عرف كيف يضم فمه وعرفت أمه كيف تصرف المصوغ والهواتف المسروقة بعده في علاقات عامة، وربما يخرج بعد عامين من السجن، كما يحدث عادة.
يفترض أن تضع الدولة كل إمكانياتها في أثره منذ أول معلومة، حتى دون شكوى، حتى يعلم الحاضر الغائب أن ثمة دولة وقانون يطبق في هذا البر الكئيب، وأن تطلق الدولة أعوانها لجلبه من تحت الأرض حتى لا يغتر ولا يغتر غيره، أما وقد حدث، فلا أمل لنا إلا في أن يتسلح الشرفاء منا بالعصي والهراوات، وربما يبحث بعضنا سرا عن أسلحة لحماية أمه، زوجته أو ابنته، طالما في هذا الوطن من يتجول وهو مطلوب في 44 جريمة عنف ولا يقع في يد الدولة إلا صدفة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock