صندوق للعقائد الخاصة عند باب المدرسة
كمال الشارني
لعل أبناء جيلي، ممن عرفوا المعهد الفني العظيم بالكاف في نهاية السبعينات، يتذكرون معي أستاذ الفرنسية “سي مختار” الذي ادعى النبوة وقتها، إنما دون أن يجنّ أو تظهر عليه أية علامة لفقدان العقل.
المفيد: لم يداهم أحد من الأولياء المعهد الفني بالكاف، ولا أحد اعترض سي مختار أو ضربه أو اعتدى عليه حتى لفظا، نحن فقط، أشرار المعهد المدفوعين بالفضول وبهرمونات المراهقة السيئة قد حولنا نبوءته إلى مزاح يومي حين إدعينا أننا الصحابة، وأفسدنا عليه نبوءته، والأهم، أن سي مختار كان أستاذ فرنسية جيد، كنا نحب كفاءته وغرامه بالأدب الفرنسي وحفظه أسماء كل الكتاب والكتب خصوصا عصور الرومنسية، وعدد غير محدود من القصائد الشعرية الخالدة، ولم يحدثنا في قاعات الدرس أبدا عن الدين والعقيدة أو نبوءته المضحكة، لم يخلط أبدا بين مهنته النبيلة ومعتقداته.
درس جيلي أيضا عند عدد كبير من الأساتذة الفرنسيين، قليلون منهم كانوا يحبوننا ويسمحون لنا بعلاقات إنسانية خارج قاعة الدرس ولا أستبعد أن يكون بعضهم عنصريا، فيهم مسيحيون ويهود وملحدون، إنما كلهم كانوا يحبون مهنتهم إلى درجة القداسة، ولم أسمع من أحد منهم أبدا أي شكل من أشكال ازدراء الدين أو ما يمارسه الناس من طقوس أو عقائد أغلبها تقاليد اجتماعية سخيفة، ويجب أن أوضح أن المعهد الفني بالكاف، كان في نهاية السبعينات محور صراع إيديولوجي عنيف أحيانا بين اليسار العلماني وبدايات الإسلاميين وقتها، وكانت نوادي السينما يوم الجمعة وقاعة العروض الفنية بالمعهد التي لا تقل وجاهة في ذاكرتي عن أجمل قاعة سينما في العاصمة ميدانا لهذا الصراع، إنما لم يتسرب إلى قاعات الدرس إلا نادرا، وحين يحدث ذلك الخلط بين الدرس والتدخل في عقائد الناس، تحدث المصيبة، وقد حدث أن حطم “مجهولون” ضلوع أستاذ عربية شاب كان يسخر من النبي في قاعة الدرس.
الخلاصة: أعتقد أنه من حق المعلم والأستاذ أن يعتقد ما يشاء، لكن ليس من حقه أن يستغل العلاقة العمودية النبيلة بينه وبين تلاميذه لكي يمارس التبشير أيا كان هدفه، أو أن يمس من عقائد الناس، السادة المربين، لا تفرطوا في نبل العلاقة العمودية بالتدخل في عقائد تلاميذكم، لماذا لا نخترع صندوقا نضع فيه معتقداتنا الخاصة عند باب المدرسة، حتى لا يجد أي شخص مبررا للاحتجاج أمام مؤسسة تربوية أو المساس بحرمة المدرس والتدريس والمدرسة.
للتوضيح: أعتبر حضور الأولياء أمام معهد حي البحري بصفاقس اعتداء على حرمة المدرس والمدرسة، كما أعتبر أن هذا النص صالح أيضا لمجتمع يمثل فيه المسلمون أقلية،