تدوينات تونسية

من أوراق مدرس من الزمن التونسي السعيد

الطيب الجوادي
في اليوم الموالي لوصولي إلى الكولاج الذي سأدرّس فيه لأوّل مرّة في حياتي، طلب مني المدير أن أحضر درس شرح نصّ مع زميل “له تجربة كبيرة، ومتحصّل على عدد جيّد من المتفقّد” لأكتسب منه الخبرة الكافية وأستوعب طريقة تدريس شرح النصوص فأعلمته أنني درمعي، وأنني أنجزت تربصا ناجحا في الجامعة، ولكنني سأحضر الدرس مع ذلك.
استقبلني الزميل بحفاوة، وطلب مني الجلوس آخر القسم، وراح يشرح نصا في مستوى الثانية ثانوي [الثامنة أساسيا اليوم]، وأشهد أنّه بذل مجهودا كبيرا في توضيح دلالات حروف الجر، والجمل الإسمية والضمائر والمراوحة بين السرد والوصف وتوقف طويلا عند لعبة التخفي والظهور التي مارسها الراوي في النص وعلاقة ذلك بتقنيات القص وأساليبه وبناء المعنى?
وقد ملأ السبورة من أقصاها لأقصاها مرتين، وتوزعت السهام والدوائر والمربعات والرسوم التوضيحية والجداول في فضائها بما يوهم من يمرّ بجانب القاعة أن الزميل بسبب شرح درس في الفيزياء النووية!
وبمجرد أن انتهى الدرس، سألت التلميذ الذي يجلس بجانبي:
– فهمت الدرس؟
فتردد قليلا، ثم همس متوجّسا:
– ماكنتش نتبع سيدي!
هنّأت الزميل بشرحه الجدير بطلبة الدكتوراه، وأثنيت على اكتشافاته المبهرة وهو يغوص عميقا جدا في النص حتى أنّه لم يترك تأويلا في مجال السّرديات إلا نبه إليه واستثمره، فأجابني وابتسامة ذات مغزى تملأ وجهه:
العفو صديقي، المهم أنك استفدت من الدرس، وان شاء الله تحاول تقلدني باش تترسّم إن شاء الله، فشكرته من جديد وتركته ولسان حالي يقول:
– موش المهمّ أنا استفدت، المهم هاك التلميذ الزوالي استفاد !

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock