مقالات

الوصية والإرث

ناجي الحجلاوي

الإرث / Héritage
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (النساء 4 الآية 12).
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (النساء 4 الآية 11).
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (النساء 4 الآية 176).

الوصيّة / Testament 
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ(180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) (سورة البقرة 2).
ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ (النساء 4 الآيات 11-12) 4 مرات.

إنّ المطالع لكتاب اللّه لا يجد صدى لكلمات كانت رائجة في زمن التّنزيل من قبيل ألفاظ: العِرض والشّرف والنّخوة والشّجاعة والشّهامة، ممّا يدلّ على أنّه من ربّ العالمين. والغريب في الوعي الدّيني الموروث أنّه يعتبر المرأة شرفا للرّجل والرّجل لا يعيبه شيء، لأنّه لا يمثّل شرف المرأة. علما بأنّ شرف اليابانيين “على سبيل المثال” يكمن في العمل. وإذا كانت المرأة تساوي الرّجل في العبادات وفي الجزاء، فإنّها تساوي نصف الرّجل في الأُعطيات وفي الحقوق. فهل هذه الوضعيّة آتية من جهة الدّين أم من جهة التّديّن؟

إنّ النّاظر في الآيات، التي تمثّل منطلقا لهذه الورقة والتي تتعلّق بالوصيّة والإرث يتّضح له أنّ أصل توزيع التّركة يكون بالحياة لا بعد الموت. وعليه فإنّ الوصيّة هي الأصل في توزيع الثّروة وأنّ الإرث هو الاستثناء، إذ هو وصيّة اللّه في التّركة التي لم تشملها وصيّة صاحبها وذلك بدليل الآيات الصّريحة، قال الله في الإرث “وصيّة من الله والله عليم خبير” وكذلك “يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين”. وانظر كيف ثنّى المضاف إليه ولم يثنّ المضاف ومعناه إذا كانت التّركة 150 دينارا على سبيل المثال فإنّ للّذكر 50 ولكلّ أنثى خمسين دينارا. وهكذا يستقيم المعنى أنّ حظّ الذّكر كحظّ الأنثيين.

ولمّا كانت آيات الوصيّة سبعا، فإنّ آيات الإرث ثلاثا. ومن هذا الفارق تبدو دلالة الأولويّة العليقة بالوصيّة. إنّ الوصيّة فرض فُرض بالطّريقة ذاتها التي فرض بها الصّيام. وإذا كانت الصّلاة والصيام يسقطان في السّفر، فإنّ الوصيّة لا تسقط أبدا، بل إنّ الشّهداء يتعيّن عليهم تبليغ الوصيّة إلى أهلها دون تبديل أو تحريف. وإذا كانت الوصيّة قانونا خاصّا بكلّ عائلة، فإنّ محلّ توزيعها عام يشمل كلّ العالم، أمّا الإرث فعلى العكس قانون عام لكلّ أهل الأرض ومحلّ تطبيقه خاص بالورثة دون غيرهم ولا يرث إلاّ المذكور في كتاب الله ولا وجود للعمّ ولا الخال ولا لأبناء الأخ، علما بأنّ الولد في الإرث يشمل الذّكور والإناث.

إنّ الوصيّة ليست منسوخة بالإرث لأنّ النّسخ يكون بين الشّرائع لا في نطاق الشّريعة الواحدة. والوصيّة تشمل أهل القرية واليتامى والمساكين، وأمّا الإرث فلا يتّسع إليهم أبدا. والوصيّة يتعلّق بها النّصيب، أمّا الحظ فيتعلّق بالإرث، والبُعد الرّحيم في الوصيّة أنّ المعوّق لا يتساوى بالموظّف النّاجح والتّاجر الغنيّ وكذلك التّلميذ الصّغير القاصر.
وبالنّظر في آيات الإرث ينتبه الدّارس إلى أنّ الأنثى هي أصل التّوزيع والقسمة في الإرث في قوله تعالى “للذّكر مثل حظّ الأنثيين”، فالذّكر لا يقف على معرفة حظّه حتى يقف على معرفة حظّ الأنثى. ولمّا قال اللّه في آية أخرى “ليس الذّكر كالأنثى” جعل الأنثى مشبّها به ووجه الشّبه يكون أقوى في المشبّه به كقولك “ليس الأعمى كالبصير” فالبصر أقوى في البصير لا في الأعمى.

إنّ الآية العمود في الإرث هي “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ”، إذ قدّمت هذه الآية هيكلا يلازمنا في كلّ آية ومفاد ذلك إذا كان عدد الإناث ضعف عدد الذّكور كان للذّكر مثل حظّ الأنثيين، وإذا كان عدد الإناث أكثر من ضعف الذّكور فُضّلت الإناث فلهنّ الثلثان، وللذّكور الثلث، أمّا إذا تساوى عدد الإناث والذّكور فالقسمة تكون بالتّساوي التّام. وهذه القاعدة تتكرّر في كلّ آية “إنّ في آيات الإرث تقدّم الأنثى على الذّكر وانظر إلى قول الله “فلأمّه السّدس” وكذلك “فلها النّصف” ويصمت الله عن ذكر نصيب الذّكر.

إنّ عدالة الإرث، فضلا عن استثنائيّته، فإنّها تكمن في التّساوي بين مجموع عدد الإناث مع مجموع عدد الذّكور، وليست عدالة بين حالات إرثيّة فرديّة، ولذلك عدّد الله الوارثين لا حظوظهم ولذلك قال “مثل حظّ الأنثيين” لا مثل حظّيْ الأنثى. وعموما فإنّ الإرث ينتقل بين الآباء والأبناء صعودا ونزولا وفي الإرث يتساوى الكبير والصغير المريض والقاصر والصّحيح المعافى.

إنّ الجدير بالتّأكيد هو أنّ الوصيّة مقدّمة تقديما لا ريب فيه عن الإرث، إذ يلحّ القرآن أن لا يكون الإرث إلاّ من بعد وصيّة يوصى بها أو دين. وقد كرّرت هذه الآية في صيغ مختلفة بحسب الموصي جنسا وعددا. وإذا ذهب القدامى إلى أنّ آيات الوصيّة منسوخة بآيات الإرث فذلك رأي يحتاج إلى تدقيق. وانظر إلى رأي ابن الجوزيّ في نواسخ القرآن كيف اعتبر أنّ القائلين بالنّسخ لا علم لهم بالتّفسير.

وما زال كتاب اللّه يهَب المعاني تلو المعاني بحسب تدبّره ومزيد النّظر فيه. والله من وراء القصد.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock