تدوينات تونسية

حكاية المليون مرا اللّي انتخبوا السبسي

عبد اللطيف علوي
حكاية المليون مرا اللّي انتخبوا السبسي، عمرها ما دخلت مخّي لا بالطّول ولا بالعرض…
يبدو أنّهم غشّونا فيها غشّة كبيرة وبلعناها على الخواء، كيما برشه أكاذيب مؤسّسة، بنيت عليها الكثير من الأوهام التي صارت بمرور الوقت بديهيات ومسلمات لا يجرؤ أحد على مناقشتها.
أنا عمري ما سمعت ببلاد وقعت فيها انتخابات، وبعد خرجوا قالولنا هاو النساء آش انتخبوا والرجال آش انتخبوا… كان في بلد العجايب اللّي عايشين فيها، العالم الكل يتعامل مع ناخبيه كمواطنين، إلاّ أحنا، نشوفو فيهم حمص وزبيب…
أنا لا محالة كنت ظلمة في الماط (الرياضبات)، وكنت دائما أعتبره من علوم الآخرة التي لا يعلمها سوى الله، لأسباب غير أصليّة، ماكنتش بهيم آما بهّموني ولاد الفهمتني… (وتو يجي نهار نكتب حكايتي مع الماط بالتفصيل)، آما comme même ( سي Chiheb Didi Boughedir هو اللّي قلّي تكتب هكّاكه) كنت قوي في الفلسفة، ونفهم مليح في المنطق متاع “مرسي الزّناتي”…
بالمنطق، إذا كان هي انتخابات سرّيّة، وإذا كان الورقة في الصّندوق لا فيها اسم ولا صورة ولا قربيطة ولا ملوّنة بالرّوز ولا تمضغ في اللّوبان، ولا أيّ علامة تدلّ على جنس صاحبها ذكر أو أنثى، نحبّ نفهم كيفاش عرفو أنّو ثمّة مليون مرا انتخبو السبسي؟؟ ووعلاش مليون بالذات “chiffre rond” (هذي نعرفها وحدي) ؟ بالكشي 999,999 فقط وأنتم ظالمينهم؟
هل أوراق النساء مثلا باش يلقاوها بالبارفان، ولاّ كي يمسّوها يحسّوا حاجة، ولاّ يلقاوها ناعمة وفيها شويّة كعابر؟؟؟
وهل أوراق الرّجال مثلا، باش يلقاوها حرشة وفيها لحية؟
الحديث هذا، متاع “مليون مرا انتخبو السبسي من أجل الدون جوان محسن زفزوف”، ما عندو حتّى سند كان محسن زفزوف وبن خيشة، إذن فهو سند ضعيف وسفيه وأحمق وقليل الحياء…
ثمّه إنسان بعقله يصدّق محسن بويضة؟ محيشن اللّي ما نعرفشي شكون ضربه على مخّه وقالّه أنت قاهر قلوب العذارى ومعبود البويضات، (على فكرة… الرّاجل اللّي رأسماله وسامته في أيّ ميدان كان، هو رجل عاهر ولا فرق بينه وبين العاهرة إطلاقا -هذا إذا سلّمنا بموضوع الوسامة اللّي هو محيّرني أنا لليوم وخلّيني ما نوصفش خير، ما لها إلاّ خلقة ربّي-
ثمّة شكون يقول ربّما الزّرقوني عمل إحصائياته كالعادة…
توّة يا عباد ربّي، ثمّه واحد بعقله يصدّق الزرقوني مقاولات؟؟ متع 85 بالمائة من التوانسة يشوفوا في البلاد ماشية في سكة غالطة، و65 بالمائة -رغم ذلك- راضين على الشّاهد؟؟؟
يا أولادي إذا قرّاكم الزرقوني أنّ الذبابة تبيض، فاكتبوا في ورقة الامتحان أنّها تحبل فوق ظهرها وتلد سيزاريان وترضع مولودها 6 أشهر، وتأكّدوا أنّ إجاباتكم ستكون صحيحة مائة بالمائة…
باهي، وإذا كان صحّ ما يدّعون… فمعناها أنّهم ينجّموا يخرّجولي مثلا ورقة Halima Maalej Maalej في أيّ كدس؟ ( يافضيحتك يا حليمة كان تطلع ورقتك في كدس السبسي ههههه) وينجّموا يخرّجولنا ورقة خالتي مباركة وين مشات؟ (هذي ظاهرلي صعيبة شوية لأنّه الأرجح أنّ خالتي مباركة انتحرت مباشرة بعد الدّور الأوّل وقتلّي طاح حمّة وما تعدّاش للدّوزيام تور وتبخرت آمالها في الفلفل والسلاطة المشوية)
يعني من الآخر…
أكذوبة المليون مرا هي أسطورة أخرى من الأساطير المضلّلة للرّأي العامّ، والغرض منها أخبث ممّا يتبادر إلى أذهاننا، لأنّ الاستثمار في لوبانة الحداثة دائما يكون في مواضيع المرأة، ولأنّ تاريخ السّجالات الكبرى في مجتمعنا وفي حياتنا السياسية طيلة الخمسين سنة اللّي فاتو، متعلّق أساسا بوضع المرأة في المجتمع… وعندما توهم النّاس بأنّ الأغلبيّة السّاحقة من نساء تونس معك، فأنت توحي بشكل مبطّن إلى أنّ الطّرف المقابل يهدّد حرية المرأة وحقوقها، وهو طرف ظلامي ورجعيّ ومتخلّف، في حين أنّك أنت حامل لواء الحداثة والتّفتّح، بشهادة المليون مرا اللّي انتخبوك!!
المسألة إذن ماهيش مسألة طرفة من الطّرائف ولاّ معلومة صحيحة بريئة ولاّ حتّى مجرّد كذبة بيضاء عفويّة ما وراها شيء…
هناك أكاذيب مؤسّسة (اسم فاعل)، أكاذيب تصنع التاريخ… وللأسف، نحن نعيش منذ الثورة إلى اليوم في ظلّ منظومة كبرى شديدة الإحكام من الأكاذيب الّتي يتعامل معها الناس كبديهيات ومنطلقات تبنى عليها كلّ التحاليل… وتصنع التّاريخ.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock