تدوينات تونسية

“حزب العطاء والكفاءات النّادرة”: من تحرير الزّطلة إلى الإتّجار بالمرأة

صالح التيزاوي
على وقع الحرائق التي أتت على مناطق غابيّة هامّة والتي اندلعت في جهات متعدّدة، وفي أوقات متزامنة، ممّا يؤكّد انّها بفعل فاعل. وأصبح الكشف عن الجناة وعمّن يقف وراءهم مطلبا شعبيّا، وصل إلى حدّ المطالبة بالتّشفّي في من أجرم بحقّ البلاد والعباد. وفي هذا الوقت بالذّات تأتي الدّعوة إلى المساواة في الميراث. فما هي أبعاد هذه الدّعوة ؟ ولماذا في هذا الوقت بالذّات؟
بداية هذه الدّعوة لم تكن مستغربة من “حزب الكفاءات النّادرة”، حيث سبق له في العام الماضي ولمّا كانت البلاد تنام وتصحو على وقع احتجاجات شعبيّة عارمة عمّت مختلف جهات الجمهوريّة مطالبة بالتّشغيل والتّنمية، سلك الحزب الفائز بالإنتخابات سياسة الهروب إلى الأمام ، والهروب من استحقاقات الثّورة لأنّه ليس معنيّا بتحقيقها بحكم أنّه لم يكن منخرطا في الثّورة يوما ما، وبحكم أنّه حمل مع اليسار والمتفرنسين لواء الثّورة المضادّة. فكانت الدّعوة إلى رفع صفة الجريمة عن تعاطي الزّطلة وقال بأنّ ذلك لمصلحة الشّباب خاصّة ممّن زلّت بهم القدم للمرّة الأولى.
واليوم يعيد الحزب الذي وعد إبّان حملته الإنتخابية (أكتوبر) 2014، التونسيين ببرنامج اقتصادي “يدوّخ”، يعيد هذا الحزب الكرّة فيدعو وبمناسبة عيد المراة إلى تأويل مزاجي للمساواة
التي نادى بها الدّستور بين الجنسين من خلال الدّعوة إلى المساواة في الميراث. وعندما تثار هكذا دعوة في مثل هذا الوقت بالذّات فإنّ أسئلة ملحّة تقفز إلى الذّهن حول الدّوافع
والمصلحة. ومهما أحسنّا الظّنّ بأصحاب الدّعوة، فإنّنا لن نجد مصلحة واحدة للمراة التونسيّة من هذا الإجراء، غير الإتجار بها وتجنيدها للإنتخابات البلديّّة القادمة، وإحياء لعبة الإستقطاب الثّنائي بين “محافظين” و”حداثيين”. نحن إذا إزاء حملة انتخابيّة مبكّرة تستنجد بفئة معينة من النّساء وتستهدف “لملمة” قواعد حزب النّداء. لم يبق امامنا مجال للشّكّ أنّ الثورة المضادّة مازالت مصرّة على انقلاب ناعم على الثورة حتى تكون في طريق مفتوح إلى تصفية استحقاقاتها التي اختزلها الشّعار الأبرز للثورة على المخلوع وعلى نظامه وعلى حزبه ذات يوم من شتاء 2011: “الشّغل استحقاق يا عصابة السرّاق”. مصلحة المرأة التّونسيّة لن تتحقّق بمخالفة نصّ واضح من القرآن الكريم في دلالته، بحجج واهية منها:
تطور المجتمع التّونسي، وتطوّر واقع المراة التّونسيّة التي أصبحت حاضرة في كل المجالات (وهذا شرف لها ولنا جميعا) أو بحجّة أنّ الغرب وصل إلى ما وصل إليه بتحقيق المساواة في الميراث بين الجنسيين. كلّ ذلك لا يبرّر للمسلمين أجمعين (وليس لحزب سياسي منقسم ومأزوم) أن يخالفوا نصّا شرعيّا. من أراد مصلحة المراة حقيقة، فعليه أن يضمن لها شغلا لائقا وأجرا مجزيا يفي بحاجاتها وبحاجات أسرتها. من أراد مصلحة المرأة عليه أن يضمن لها التنقّل إلى مواقع عملها في ظروف تحفظ لها كرامتها وأنوثتها وتقيها من التّحرّش والعنف. من اراد مصلحة المرأة عليه أن يوفّر لها مستلزمات العيش الكريم في الرّيف، وعليه أن يضمن للمراة العاملة في القطاع الفلاحي الضّمانات الإجتماعية الكافية والأجر المجزي وساعات العمل التي لا تستنزف طاقاتها وشبابها، ويضمن لها التنقّل في وسيلة نقل غير مهينة ولا تشكّل خطرا على حياتها مثل العربات المجرورة التي تحشر النّساء فيها حشرا، وقد تسبّب ذلك في حوادث سير مريعة، كانت المراة العاملة في القطاع الفلاحي ضحيّتها الاولى. ولم نر تحرّكا فعليّا مناصرا للمرأة الضّحيّة ممّن تداعوا اليوم إلى مخالفة نصّ شرعيّ. من اراد مصلحة المراة عليه أن يمهّد الطّريق امامها لتصل إلى أعلى المراتب، وعليه أن يمكّن المرأة غير العاملة من جراية شهريّة محترمة تضمن لها العناية بنفسها: لباسها وزينتها وغذائها حتى لا تشيخ قبل وقتها وتصاب بالوهن وتتفطّر يداها وقدماها من شدّة البرد ومن القيام بأعمال أصبح يهرب منها الرّجال. من أراد مصلحة المراة التّونسيّة عليه أن يوفّر المصانع لتشغيل المرأة المعطّلة عن العمل حتى تساهم في نفقات الأسرة والنهوض بحاجياتها المتزايدة ولا تكون مجرّد “ربّة بيت”: تطبخ وتغسل وتنجب وتلد في ظروف غير سليمة وتحرس البيت في غياب الرّجل والعيال. من اراد مصلحة
المرأة عليه ان يوفّر الشّغل اللّائق لخرّيجة الجامعة حتى لا تشعر بأنّها قد أفنت عمرها في طلب المحال. من اراد مصلحة المرأة عليه أن يفكّر فيها في برد الشّتاء وفي كلّ الفصول وليس يوما في السّنة بمناسبة عيدها أو على مشارف استحقاق انتخابي، حيث الحاجة الملحّة إلى صوتها.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock