تدوينات تونسية

المضمر في جدل الإرث

سامي براهم
الجدل العام الذي أثارته دعوة الرّئيس في علاقة بقانون الإرث دليل على نجاح هذه المبادرة في تحريك السّواكن والمياه الرّاكدة في علاقة بمسألة أكبر من الإرث هي حدود مرجعيّة الدّين في إدارة الشّأن العامّ.
جدل مهمّ واستراتيجي يطرحه الدّستور ذاته الذي جعل من الإسلام والمواثيق الدولية معًا مرجعا للدّولة في إدارة شؤون المواطنين، الدّستور حسم المسألة “هويّة الدّولة” نصّا وترك مجال التّأويل حول مضمون هذه الهويّة مفتوحا، يكفي الإشارة مثلا إلى الضمير في الإسلام دينها في الفصل الاوّل هل يعود على تونس أو الدّولة ؟؟؟.
مبادرة الرّئيس نفسها أدرجت المسألة في إطار الاجتهاد الدّيني فأخرجت هذا الجدل المتعلّق بمضمون هويّة الدّولة من وضع الكمون داخل إطار النخبة الضيقة إلى عموم المواطنين لأنّ المسألة تهمّ الشّعب بأسره وتترتّب عنها قضايا جوهريّة.
الخلاف الحاصل اليوم ليس حول نصيب المرأة من التركة حيث يكفي مجرّد الإطّلاع على الأنصبة المقرّرة في القانون لنلاحظ أنّ منظومة الإرث في شمولها قائمة على المساواة لا على الحيف رغم وجود تفاصيل وجزئيّات اختلف فيها الفقهاء وهي قابلة للاجتهاد عبر الترجيح بين الآراء.
لكن الخلاف حاصل بين من يعتبر المسألة غير دينيّة ولا مرجع للدّين فيها بل هي مسألة اجتماعية تتحدّد وفق تطوّر أوضاع المجتمع وقيم العصر الكونيّة والمواثيق المعبّرة عنها ولا مرجع فيها ولا احتكام للنصّ الديني وتأويله.
ومن بين يعتبرها دينيّة متعلّقة بنصوص قطعيّة ثابتة ورودا ودلالة مقرّرة لدى العلماء ومفردة بعلم خاصّ هو علم الفرائض وعليه الاعتماد في تقسيم التركات في القضاء ولا مجال فيه للاجتهاد.
فتحت هذه المبادرة الرّئاسيّة المجال لحوار وطني مضمونه المضمر موقع الدّين من الدّولة والعلاقة بينهما بل يذهب إلى أبعد من ذلك إلى تحديد هويّة الدّين الإسلامي ذاته في ضمير التونسيين.
سيفضي هذا الحوار إذا كان حضاريا ومسؤولا وشفافا وبعيدا عن التشنّج والاصطفافيّة وسفاسف السّخفاء من المتنطعين والجهلة يمينا وشمالا إلى مزيد من تأسيس وترسيخ معالم المشروع الوطني الذي تكون فيه المرأة المساوية للرّجل في الحقوق والواجبات عنوانا ومضمونا للدّولة والمجتمع.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock