تدوينات عربية

قادة “بروليتاريا” تونس في دمشق

سلامة كيلة

وفود تونس تتوالى على دمشق، لكن ليس أيّ وفود. فقبل أشهر، حجّ وفد من برلمانيين أعضاء في الجبهة الشعبية، التي من المفترض أن تمثّل اليسار الذي يعطي الأمل للشعوب بالتحرّر والتطور. وقبل أيام، حجت “البروليتاريا” التونسية، ممثلة بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل. ويجري الحديث عن زيارة وفد برلماني كذلك.

كل هؤلاء مع النظام نكاية بحركة النهضة، أو/ ونتيجة “معرفة” اليسار و”البروليتاريا” بالوضع العالمي، وفهم “المؤامرات” التي تقوم بها الإمبريالية ضد “النظم التقدّمية”، أو باختلاط السببين معاً. فهمٌ عظيمٌ للوضع العالمي وللمؤامرات الإمبريالية، وأعظم منه ضرورة الحج إلى دمشق، للتعبير عن “التضامن الأممي” في وجه الهجمة الإمبريالية، خصوصاً وهم يشاهدون “الجيش الأحمر”، عفواً جيش الرأسمالية الروسية، يزحف لصدّ هذه “الهجمة الشرسة”، بعد أن سبقتهم “بروليتاريا الشيعة” في لبنان والعراق وإيران وأفغانستان وباكستان. ويجب ألا ننسى أن الحكم في سورية هو للعمال والفلاحين الذي يحقّقون الاشتراكية، إلى الحد الذي جعل 70% من الاقتصاد في جيب عائلة واحدة متحالفة مع كبار التجار والسماسرة. وأنه “عادى الإمبريالية” إلى الحد الذي جعله، حينما اختلف معها، أن يطلق على وضعه: ممانعة.
في كل الأحوال، ما يجب أن يعرفه هؤلاء “الثوريون” جداً:

أولاً، كان نظام بشار الأسد حليفاً موثوقاً لنظام بن علي، وكان التنسيق الأمني في أوجه (وهو الذي سهّل فيما بعد ترحيل الدواعش)، ولا يتحقق ذلك إلا بين نظم متشابهة. ولا شك في أن تشابهاً كبيراً كان يجمعهما، فكلاهما كان يمثّل نظاماً أمنياً مافياوياً عائلياً. ولم تتوقف هذه العلاقة الأمنية بعد الثورات في تونس وسورية، وربما هذا الأمر هو الذي يجعل قياداتٍ في الاتحاد العام، عملوا تحت سلطة بن علي وكانوا من داعميه، يسعون إلى إعادة العلاقة مع النظام السوري. والآن، يجري التوافق بين هذا التيار القوي في قيادة الاتحاد وتيار “يساري” هو “متطرّف” في معاداته الإمبريالية، ومتطرّف في الفهم الشكلي للأمور، مال منذ البدء لدعم النظام السوري. ومع الأسف انجرفت أحزاب أخرى في المسار ذاته “نكايةً” بحركة النهضة “حليفة الأمس”، وربما لكي تظلّ مقبولةً في بيئة الجبهة الشعبية التي تخضع لـ “الهوس القومي”. وهو هوس حقيقي، يظهر في النزق وإعلاء الصوت والتعصب بلا وعي ولا تدقيق.

ثانياً، لم يفعل كل هؤلاء شيئاً، ونحن نطالبهم بمواجهة القوى التي ترسل “الجهاديين” إلى سورية، والذين كانوا يشكلون خطراً على الثورة، وليس على النظام الذي أرسلهم وساعدهم، وأمدّهم بالأسلحة، بعد أن زرعهم في بيئة الثورة، لكي يسحقوا الشعب الذي ثار. وفرحوا باختراع فكرة جهاد النكاح التي جرى تلفيقها في تونس (وبعض قيادات اليسار التونسي تعرف ذلك). ربما كان كل هؤلاء فرحين بذهاب هؤلاء “الجهاديين” إلى سورية، للتخلص منهم أولاً، ولمعرفة بعض القيادات المذكورة أن دور هؤلاء مجهض للثورة ثانياً. وفوق ذلك أراحهم أن توسم الثورة السورية بأنها ليست ثورة، بل نشاط إرهابيين من أجل التمسّك بالنظام “الوطني التقدمي” و”المعادي للإمبريالية”.

ثالثاً، أنهم يذهبون إلى دمشق لدعم نظامٍ لم يعد قائماً أصلاً، بعد أن أصبح القرار بيد روسيا، وباتت المتحكّم في كل شيء، وبعد أن باتت دولة محتلة، أوجدت قواعد عسكرية لتسعة وتسعين سنة، وتسعة وأربعين سنة. ومارست كل الوحشية بأحدث الأسلحة ضد الشعب، بعد أن قام النظام بعملية تدمير شاملة، وبعملية إفناء للشعب الذي تمرَّد عليه.
ربما شيء جميل من “بروليتاريا” ومن “يسار” أن يدعم احتلال بلد عربي، ونظاما إجراميا بكل معنى الكلمة. ولم يرَ كيف أن ثورة الشعب استحقت كل هذه التدخلات لكي تسحق، ولم تسحق. على الرغم من كل التشويه الذي نالها من أعدائها ومن “أصدقاء الشعب السوري”. ثورة ظهر أن كل العالم تدخل لسحقها، وأنه فعل ذلك للرعب الذي أصابه من امتداد الثورة من تونس إلى سورية مروراً بكل المنطقة. ولا شك في أن اليسار العالمي كان في هذا الصفّ ضد الشعب وضد الثورة. ولهذا يستحق الفناء.
كاتب وباحث فلسطيني
العربي الجديد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock