تدوينات تونسية

بن كِيران ورسائل للمَلك في خطاب العَوْدة والعُنفوان

سليم الحكيمي
بعد ان كان يفكر في الاستقالة اثر اعفائه من تشكيل الحكومة بعد فوز حزبه في انتخابات 7 اكتوبر 2016. خطب، عالي الجبين، في ملتقى شبيبة الحزب بفاس، واصفا الخطاب الاخير للملك بالقاسي على الشعب والاحزاب، مفوتا الفرصة عل الراغبين في توتير العلاقة بين “البيجيدي” والمخزن، مرددا بان الملك جاء بالبيعة والدّين، وليس بالانتخابات، وان المغرب لا يكون الا بالملكيّة أو لا يكون. ومذكرا بان “العدالة والتنمية” لا يمكن ان يكون حزب “تكنوقراط” كما يريده العُرف المخزني. ولا يمكن لمثقفيه ان يتحولوا الى مجرد موظفين، مسترجعا موقف “العدالة والتنمية” في انقاذ الوطن في احداث 20 فبراير 2011 التي رجّت الملكية. مبشّرا ببلد يغلب فيه الاصلاح الفساد وتصرع فيه الديمقراطية الاستبداد. محذرا من مكر “العفاريت” والقوى غير المرئية التي لوثت السياسة، و”التماسيح”، كائنات النهب التي تختفي بفريستها في النهر. داعيا الى التحقيق في اضطرابات “الحُسيْمَة” وتعديل الدستور.
رحلة الرجل الذي ملا الدنيا وشغل الناس، في الحكم استثنائية،. انتهت بتسمّر 5 مليون و800 الف مشاهد للاستماع الى خطابه الشهري. فظل الشخصية الاولى وحظي بشعبية كبيرة. إذ واجه اباطرة الفساد بكل شراسة، وانتزع حقوق الفقراء من الاغنياء. لم تنجح مؤامرة مارس سنة 2015 للاطاحة به، ومن حضر اجتماعه، كانوا اكبر من مسيرة “بروبقندا” التشويه، معلنين دعمهم لحزب اعتصم بالناس. فقد انتقل “العدالة والتنمية” من حزب متمسك باهداب الدين خارج المؤسسات، لا يعترف بشيئ، الى كيان عرف دروب السياسة من خلال حزب “عبد الكريم الخطيب” “الحركة الشعبية الدستورية”، الذي فتح الأبواب لأبناء الحركة الإسلامية من “الإصلاح والتجديد” و”رابطة المستقبل الإسلامي” الراغبين في العمل السياسي بعدما منعتهما السلطة من التاشيرة. وقام بالمؤتمر الاستثنائي سنة 1996،. وتقدم للانتخابات ليحصل على 14 مقعدا سنة 1997. حينها بدا المغاربة يرون طينة اخرى من البرلمانيين المتواضعين المنشغلين بخدمة الناس لا غير. في 2002، اعيدت الانتخابات التشريعية ليصعد عدد نوابه من 14 الى 42 نائبا معترفين بفضل الملك الذي رفض تزوير الانتخابات. ثم جاءت تفجيرات 16 ماي 2003 في الدار البيضاء لوصم الاسلاميين بالارهاب والتخلص منهم وطالبت قوى بحل حزبهم. بل ضغط سنة 2003 على كوادره بعدم الترشح. حينها لم يذهب الى الانتخابات من الشعب سوى 37 %. وكانت الرسالة انه لا احد يستطيع تحريك الجماهير سوى الاسلاميين، بل يتعذر الاصلاح في غيابهم. ليعود الحزب مجددا الى الانتخابات، ويحصد 46 صوتا. ولكن غواية الهيمنة والتحكم التي افسدت الحياة السياسية في المغرب تضرب من جديد. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، والحزب الذي زرع الامل سنة 1998، تاريخ تاسيسه، حصد في 2009 ثقة المدن والمحليات في دهشة الجميع. لتاتي سنتا 2010 و2011 بالطوفان الذي كنس اسماء الوهم السياسي الفاقدة لمبرر الوجود اصلا، واخفق كل من اراد ان يسوي العدالة والتنمية بغيره. لم يصوت له الناس لصلاته وزكاته، فالله ليس اله المصلين، ولكن لاخلاص مناضليه ووطنيتهم، لترتفع حصيلة ثقة الناس فيه من 1500 مستشار و50 جماعة سنة 2009، الى 5000 مستشار و200 جماعة محلية سنة 2015 من شعب ارتفع منسوب الوعي منه بحقائق السياسة والاشخاص وظل الحزب في وعي الناس مؤسسة لم تصنعها الادارة ولا المال الفاسد ولا جهات اجنبية. وفشلت كل محاولات اضعاف الاسلاميين واظهارهم تارة خصما للدولة وطورا للمجتمع واطوار للديمقراطية وردحا للملكية. سنة 2016، اثبتت فيها التجربة انه من ادعى قدرته على اصلاح الحياة السياسيّة من احزاب مخزنية وعلمانية، فَرّ في اختبار “الحُسيمة” ولم يستطع حل الازمة فضلا عن ادارتها. فمنذ تعيين عزيز رئيس “التجمع الوطني للأحرار” عزيز أخنوش وزيرا للفلاحة، بدأ يظهر صراع بينه وبين حزب الأصالة والمعاصرة وشرع الأعيان في الانتقال لـ “لحزب التجمع الوطني”. ومن فرض “الاتحاد الاشتراكي” في تشكيل الحكومة كان يدرك علاقة النجار بعقدة المنشار. و الاجتماع الشعبي الاخير حضره بن كيران والعثماني، والرسالة لا تغيب عن لبيب. لا يوجد صراع اجنحة في الحزب، ولكن حدة تباين في وحهات النظر، ادت الى عدم انسجام بين الرجلين. فاللجنة التي كُلفت بإدارة المشاورات، لم ترجع لمؤسسات الحزب وتنازلت عن كل شروطه لتشكيل الحكومة عند اتخاذها قرار دخول “الاتحاد الاشتراكي”، وهو الحزب الذي اقسم بن كيران الاّ يشاركه الحكم. “شبيبة العدالة والتنمية”، هيئة من هيئات الحزب تسمى في أدبياته هيئة موازية. تشمل فقط كل من لم يتجاوز سن 40 سنة وتسقط عنه العضوية اليا بعدها. ترغب هذه المؤسسة فرض بن كيران مجددا على رئاسة الحزب ردا على الاهانة الملكية باعفائه، وايمانا بحاجة المرحلة اليه. فالرجل، رفقة الوزير الراحل عبد الله بَهَا، هما الأبان الروحيان “للعدالة والتنمية” وهما من نظّرا للعمل من داخل المؤسسات السياسية القائمة بعد أن كانا عضويْن في الشبيبة الاسلامية بقيادة “عبد الكريم مطيع”. تولى بنكيران الامانة العامة “للبيجيدي” مرتين: الأولى من 2008- 2012 والثانية من 2012 تم تمديدها له في مؤتمر استثنائي سنة 2016. وينتظر عكس لوائح الحزب ان يمدد له في ولاية ثالثة في المجلس الوطني المزمع عقده ديسمبر القادم.
ما انكشف في المراحل الانتقالية ان الاقلية لا ترضى بدور المعارضة بل تصير كتلة مقاوِمة، ترفض “ديكتاتورية الاغلبية” التي تاتي بها صناديق الاقتراع، وهو مساس حقيقي بجوهر الديمقراطية. فتضطر الاغلبية الى التنازل عن نتائج الانتخابات لتحكم المرحلة بـ “الديمقراطية التوافقية” ضمانا لنجاح المسار وهشاشة الوضع الانتقالي تفرض اكراهاتها ايضا على الاحزاب، وتمس من فكرة التداول اساسا من اسس الديمقراطية وهو ما يقع في “العدالة والتنمية” ويمكن ان يطال احزابا اخرى. فالمسار لازال شخصيا في السياسة الانتقالية ينتظر الرسوخ… وهو ما جعل بن كيران يتعامل مع الدّعوة الى ولاية ثالثة “بمنطق لم آمُر بها ولم تَسُؤْني”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock