تدوينات تونسية

هؤلاء اليابانيون غريبو الأطوار

كمال الشارني
نحن شعب “رفع عنه القلم” حتى لم يعد الواحد منا مسؤولا عن شيء من أفعاله بمجرد إطلاق تلك العبارة الشهيرة “ياخي بالعاني ؟”، واحد حل مرمّة في الطريق العام، ثم أوقع مادري الصقالة على المارة، قال لهم مستغربا: “ياخي بالعاني ؟”، أوكي حبيبي، هي مسؤولية من مر من الطريق العام دون أن يحتاط.
وعبر عشرات السنين من الدولة الوطنية، لا يمكن مساءلة المسؤول التونسي إلا عن السرقة إن تخلى عنه حلفاؤه، أما سوء التقدير أو الإخفاق وبعزقة أموال الشعب، فهي “مش بالعاني”، وأنا أذكر في دروس تاريخ الصحافة، أن رئيس قسم في جريدة “آزاهي شامبون” اليابانية التي تطبع 11 مليون نسخة يوميا، اكتشف أن أحد المحررين كان يغشه طيلة أعوام بنشر أخبار قديمة يعيد تحريرها، فقرر تحمل المسؤولية وحده بالانتحار على طريقة “هيرا كيري”، أي أن يلبس الكيمونو الأبيض ويجلس على سجادة من السعف ثم يشق بطنه بسيف ساموراي بالعرض والطول، اعتذارا للقراء الذين وضعوا الثقة فيه.
لا يقول لنا الدرس شيئا عن الصحفي النذل، ولنا منه كثيرون في بر تونس حيث يمكن إنقاذه بسهولة “مش بالعاني، الله لا يحب قطع الخبزة، ثم هو متاعنا”، وقد قرأت منذ مدة أن مسؤولا يابانيا قرر أن يبقى في وضعية إنحاء علنية لمدة عشرين دقيقة أمام الشعب الياباني، وهي مدة التأخير في توقيت احدى رحلات القطارات اليابانية المعروفة بدقة مواعيدها، يعني لو أن مسؤولي النقل في برّ تونس تولوا المسؤولية في اليابان، لكان مصيرهم جميعا “الهيرا كيري”، والله أعلم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock