تدوينات تونسية

قيادة الاتّحاد و”فاقد الشيء لا يعطيه”

فوزي الطلحاوي
“فاقد الشيء لا يعطيه”
“أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثورُ الأبيضُ”
من لم يستطع تحرير نفسه من أدران غطرسة الأوهام وايديولوجيا الوصاية على الآخرين شعوبا ومدنيين وثوّارا ليس أهلا ولا نصيرا لا للدول ولا للحكومات ولا للشعوب ولا للرّانين للتحرّر والانعتاق من الاستعمار والاستبداد.
ما حدث في درعا ذات ربيع 2011 إرهاصات ثورة وأدتها او هكذا شُبِّهَ لهم، قوى إقليميّة او كبحت جماح تقدّمها، ولكنّي، قد أكون واهما، ولي الحقّ في الوهم، أنّها تسير في طريقها أكاد أرى نصرها، ولكنْ من يخالفني الرّأي ويعتبر أنّ ما وقع في سوريا ليس ثورة يجب أن يقنعنا بتمايُزِه عمّن وقف في وجه الثورة ومن أسهم في إراقة دماء الشهداء والجرحى، وإلاّ بِمَ نفسّر وقوف “منظمة وطنيّة” مع طاغية مستبدّ رفض محاورة قسم من شعبه وسمهم منذ البداية بالتكفير والإرهاب لا لشيء إلاّ لأنّهم طالبوا بحقّهم في اختيار من يحكمهم وبدولة مدنية لكلّ السوريين ديمقراطية لا طائفيّة ولا فئويّة ولا عشائريّة ولا عسكريّة ؟
سيتحجّج البعض بالإرهاب، نقول لهم: ومنذ متى نحاسب الضحيّة ونبرّئ الجلاّد ؟ حاشى للثوّار أن يكونوا إرهابيين، خبراء صناعة الإرهاب نظامان من أقبح الأنظمة في العالمين العربيّ والإسلاميّ هما نظام “ديمقراطيّة الطائفة” في إيران ونظام الآل والعائلة في السّعوديّة، ورغم التواطؤ والخيانات فإنّه لن تقدر أيّة قوّة في العالم على أن تقف في وجه شعب يرنو إلى الحريّة، وليتيقّن الجميع أنهّ لا إرادة يمكن أنْ تقهرَ إرادة شعب يتطلّع إلى الحريّة وتقرير مصيره مهما أُرهِبَ وشُوِّهَ وخُوِّنَ وأُفْرِدَ إِفْرادَ البعيرِ المُعَبَّدِ…
ها قد “نجح” “ملوك الطوائف” الجدد، نجاحا باهرا مُزَيَّفًا مؤقّتا في كبح جماح الثورة السوريّة، وها قد أعطوا للثوّار البرهان على أنّ من يقف في وجوهم ليست أنظمة الاستبداد فحسب، وليس الإرهاب باسم الدين وغير الدّين فحسب؛ بل “قيادات منظّمات وطنيّة” ادّعت وتدّعي دفاعها عن المظلومين والمقهورين ومنهم الذين حملوا راية المقاومة، وفي أوّل امتحان تخندقوا وراء طائفتهم ووراء “زعيمهم الملهم”.
لقد أثبتت قيادة الاتّحاد الحاليّة، مرّة أخرى، ما عبّرنا عنه منذ نجاح الثورة، وبعد حلّ حزب التجمّعِ، من أنّ الخشيةَ كلَّ الخِشيةِ ألاّ تقرأ القيادة الحدث قراءة صحيحة، وألاّ تعيد النّظر في هيكلتها ووظيفتها، وأنّ درس حلّ حزب التجمّع يفرض إرساء ديمقراطيّة حقيقيّة داخل المنظمة النقابيّة وإلاّ فإنّ مصيرها سيكون “أُكِلْتُ يوم أُكِلً الثّورُ الأبيضُ” لأنّه لن يبق “أكبر قوّة في البلاد” وأنّ القوّة الحقيقيّة اليوم هي للشعوب الحرّة وللقوانين والحريات والاختيار وأنّ قوّتها الحقيقيّة، مستقبلا، ستتركّز في مدى قدرتها على التّمثيليّة والتعددية الحقيقيّة لا الشّكليّة وفي خياراتها الوطنيّة وأنّه يجب تمييز الخيط الفاصل ما بين النّقابة والحزب من فواصل، في ظلّ التعدّدية الحزبيّة، وإلاّ فإن الإمعان في توظيفها في خدمة “حُزَيِّباتٍ” وأجندات غير شعبيّة ووطنيّة سيضعفها وسيفسح المجال أمام التّشرذم النّقابيّ، ولن يطول الأمر بهذا السلوك حتى نرى الرّافضين لقراءة الواقع السياسيّ والمدني والثقافيّ من قيادة الاتحاد قد جنوا على الاتحاد وأضعفوه ووقتها لا ينفع أن يقال لهم: “فاقِدُ الشيءِ لا يعطيه”.
إنّنا مازلنا على عهدنا في ضرورة الحفاظ على اتحاد قويّ بمنخرطيه وبرنامجه الوطني والقومي وبإيمانه بالديمقراطيّة والتعايش وبضرورة تحديد أدواره وتمييزها عن الحزبي والايديولوجي، وإلا ستكون تنبيهاتنا المتكرّرة مجرد صرخات في جُبّّ، وأنّ “الحتميّة التاريخيّة” قد قالت كلمتها وأن السّيف قد سبِقَ العَذَلَ.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock