مقالات

الرشد متى يصل إلى حكام العرب ؟

أبو يعرب المرزوقي
كلما سمعت نذلا يلومني على ما يعتبره تدخلا في الخليج أعجب لوقاحته: من بدأ فتدخل ومول الانقلابات وحارب مجتمعات سعت إلى الحرية والكرامة؟
وهب ذلك لم يحصل، هل الخليج غير عربي وغير إسلامي حتى يكون ما يجري فيها أمرا ينبغي لنا ألا نبالي به فنبدي رأينا في من يريده محمية إسرائيلية؟
فمن ينفون عن أي عربي من خارج الخليج الكلام في الخليج يتهمون من يفعل إما بالطمع أو بالحسد لكأن شعوبه ليسوا ضحايا الاستبداد والفساد والفقر. فإذا ما استثنينا القلة التي استبدت بالأمر وتوابعهم، فإن بقية الشعب تعاني من القهر. فشعب فقير في بلد غني أشقى ألف مرة من شعب فقير في بلد فقير. صحيح أن الشعوب العربية كلها تعاني من الاستبداد والفساد وكان من المفروض أن تتضامن فيما بينها عندما يشرع بعضها في الثورة عليهما وعلى الظلم. أما أن يحتج من يقدمونهم على انهم مفكرو الخليج من نصحاء السوء ليقولوا إن الخليج جزيرة في الوطن العربي لا علاقة لبقية العرب بهم، فهذا دليل حمق.
وها قد بينت الأزمة أن الأخوة الخليجية قليلا ما يؤمنون بها وقلة تسعى لحمايتها من شر الثورة المضادة التي لم تقتصر علينا بل تحارب أفضل ما فيه. لذلك فإني أعتبر نفسي ذا حق في الكلام في كل شيء يجري في الخليج بل لعلى أولى ممن نعلم أنه من أصل فارسي أو عديم الأصل في حين أني عربي قح. ولست أتكلم في الشأن الخليجي كلام من يحرض أحدا على أحد منهم بل بالعكس أحاول ما استطعت إلى رأب الصدع بالتنبيه على الأخطار المحيطة بنا جميعا. وهذا الموقف لن أحيد عنه قيد انملة أحب من أحب وكره من كره. ولست أعمل عند أحد حتى يفنشني أو يقطع رزقي: رزقي من الله ومن عملي وعرق جبيني.
لا يمكن أن أصدق أن شعوب الخليج كما يراد إيهامنا خلت من الرجال والنساء الكرام والشجعان. والدليل أنهم كثر. فالهدوء قد يخدع العملاء فيتمادوا. لكن العملاء لم يعادوا الثورة خوفا منها خارج أقطارهم، بل هم يشعرون أن شبابهم وغالبية مواطنيهم لا يقلون شوقا للحرية والكرامة والعزة والحقوق. لذلك فهما أعتى العملاء واستعانوا بالقوى الاستعمارية التي تغطي جرائمهم فأن المستقبل للشعوب العربية من الماء إلى الماء ولا دخل لأهل الربيع. فرفض الظلم والاستبداد وعدم قبول عبث الأجهزة والأمراء المدللين مع حرمان البقية من أدنى الحقوق والحريات من الأمور الفطرية عند أي إنسان واع. الربيع ليس تونسيا ولا مصريا ولا سوريا ولا يمنيا بل هو إنساني بإطلاق. يمكن تعطيله لفترة. لكن سيل جارف لن يوقفه أحد: الاستثناء العربي انتهى.
فضل الكويت أنها فهمت ذلك وفضل قطر أنها تلتها وأظن ان البقية لن تتخلف خاصة والجماعة المستبدة اطمأنت لحماية الغدارين الذي يمتصون “حصالتهم”. وكل من له أدنى قدر من الحكمة والعقل عليه أن يعلم أن لا مفر من الخضوع لإرادة الشعوب وأن عصر شراء الضمائر بالمكرمات ولى بغير رجعة: نصيحة أخ. العرب يمكن أن يستعيدوا عزتهم ودورهم فينالوا احترام أنفسهم والمهابة التي تحول دون أجوارهم والطمع فيهم أو العدوان عليهم فيستقر الإقليم ويسلم. هذا ما فهمته أوروبا فتحررت من العداوة التاريخية بين الالمان والفرنسيين حتى يستعيدوا شروط السيادة حماية ورعاية رغم اختلاف الثقافات واللغات. لكن أنانية النخب المستبدة والفاسدة تجعلهم يتوهمون سيادة لمحميات لا تستطيع أن تحمي نفسها ولا أن ترعاها. كل أقطار الأمة محميات ذليلة. فاحذروا.
كنا نتصور أن الخليج في طريق الوحدة فإذا بنا نكتشف أنه أوهى من بيوت العنكبوت: جرثومة باطنية أفسدت الأواصر الروحية ولم تراع علاقة الأرحام. هل يمكن أن يوجد عاقل في الخليج يطمئن للسيسي؟ من خان بلده وبدد وحدته لا يمكن أن يكون مجلبة خير للخليج: أطمع في رزنه وأحقد على أهله من أعدائه. لا أصدق أنه لا يتصدى للسيسي وبشار وحفتر والحوثي وصالح. لا أصدق أنه لم يعد في بلاد العرب مؤمن بحقوق الإنسان والإسلام إلا من ينبزون بالأخونة. فكل الحساسيات السياسية في البلاد العربية في العميل والمخلص للأوطان وفيها الراضي على العبودية والمقاوم من أجل الحرية. والصادقون هم الغالبون.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock