مقالات

لو استغاث لأبكى ولو شكى لدمعت عيون من أنينه وتألمه: ذلك هو حال الأقصى

لطفي الراجحي

حولت دولة الاحتلال عملية اغتيال الشبان الفلسطينيين في المسجد الأقصى إلى اغتيال للمسجد الأقصى وللقدس بما هي الركن الرمزي الذي تستند عليه أشكال المقاومة الفلسطينية للرد على استمرار السلطات الصهيونية في تنفيذ سياسة ضم الأراضي وتوسيع مساحة القدس الغربية منذ إعلانها عاصمة للكيان الصهيوني -وحتى يومنا هذا- ولا زالت إسرائيل تقوم بإجراءات إدارية وتشريعية عديدة من أجل تحقيق حلمها التاريخي -مشروع القدس الكبرى- فالاستيطان يشهد تصعيدا يوما بعد يوم بهدف تطويق المدينة وابتلاعها متزامنا مع استمرار سياسة تهجير السكان المقدسيين من أراضيهم وبيوتهم وسحب هوياتهم وتحديد إقاماتهم وفرض الإغلاق والحصار الاقتصادي عليهم لحثهم على ترك المدينة وإفراغها من أهلها وتحقيق أغلبية يهودية فيها وصاحب هذه السياسة اجراءات أخرى موازية ليس أقلها إغلاق مدينة القدس وبناء الجدار الفاصل الذي يحاصرها والضفة الغربية معها وعمليات الحفريات المستمرة تحت المسجد الأقصى بحجة البحث عن آثار الهيكل المزعوم وانتهاك حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية وحرية العبادة فيها.

سمحت دولة الاحتلال عشرات المرات لزعمائها وجنودها وعصابات المستوطنين باقتحام الأقصى وباحاته في سلوك استفزازي مقيت وإقامة آلاف الوحدات الاستيطانية من حوله ومصادرة الأرض بعد ان حولت -ما هو خارج عن سيطرتها- سجنا كبيرا لعموم الفلسطينيين من جنين شمالا إلى الخليل جنوبا وهي لا تثق بسلطة أوسلو وحجم تعاونها الأمني وإجراءاتها -المفرطة في نظرها في التساهل مع الفلسطينيين- وذلك بهدف كبح المقاومة ولا تطمئن لما يبدو من السلطة المتعاونة عندما تثور وتغضب وتسرع بتقديم واجب العزاء ويمين القسم بالقصاص ممن يقف خلف “الإرهاب الفلسطيني”.

تؤكد عملية القدس الأخيرة على صواب نهج المقاومة والبندقية في دحر الاحتلال لان هذه العملية التي استهدفت الشرطة الصهيونية في القدس المحتلة تعيد تصويب البوصلة نحو الخيار الحقيقي لردع العدو الصهيوني الذي لا يفهم إلا لغة واحدة هي لغة القوة والسلاح. وقد عبر عنها احد الفدائيين الثلاثة في تدوينة له قبل استشهاده على مواقع التواصل الاجتماعي: “… شو بدنا في جامعة الدول العربية وشو بدنا في المؤتمرات الإسلامية. إحنا بنحمي فلسطين بدمنا والقدس والأقصى بروحنا…”.

قدم الشهداء الثلاثة من مدينة خاضعة امنيا لسيطرة الاحتلال وأجهزة مخابراته وتمكنوا من تجاوز السيطرة الأمنية والحواجز ليهزموا أدوات الاحتلال التقنية والبشرية العتيدة كما أنهم -وهذا هو المهم- كسروا حالة الهدوء التي تعيشها مدينة القدس لانخفاض منسوب العمليات الفدائية فيها لكنها جاءت خصوصا لتعبر عن حجم الرد على الانتهاكات المتعددة التي طالت المسجد الأقصى والقدس وأهلها وهي كلها تمس بالأمر الواقع القائم منذ الاحتلال منذ جوان 1967 حين قام احد حاخامات الجيش الإسرائيلي بالوقوف قريبا من حائط البراق وأقام الصلاة فيه معلناً أن القدس هي لليهود دون سواها ولن يتراجعوا عنها أبداً وهي عاصمتهم الأبدية ثم قامت السلطات الإسرائيلية في مثل هذا الشهر من سنة 1980 بسن “القانون الأساسي للقدس الموحدة” الذي يعتبر مدينة القدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة ابدية لدولة الاحتلال.

وفي ظل هذه الإستراتيجية العدوانية ظلت القدس تعاني من :

الاستيطان: الذي يلتهم ما تبقى من ارض فلسطين.

 جدار الفصل العنصري: الذي سلخ أحياء عربية بكاملها عن القدس وأراضي الضفة الغربية.

 تهويد المدينة: وقد بدأت خطوات تهويدها واتفقت الحكومات الإسرائيلية على ذلك من خلال:

– التضييق على ممارسة الشعائر الدينية.
– الطرد الصامت للفلسطينيين المقدسيين وذلك عبر إلغاء الإقامة الدائمة في القدس وإغلاق الطرق والمؤسسات الفلسطينية المقدسية وتهويد الاقتصاد وفرض الضرائب الباهظة على المنتج المحلي للمدينة.

 الحفريات: التي تهدف إلي تدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم من تحته.

لقد كان هاجس تهويد المقدسات قائما منذ أن باشرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ مخطط تقسيم الأقصى والذي أحيل قانون بشأنه عام 2012 على الكنيست للموافقة عليه والذي أطلقه الصهاينة منذ اتفاق أوسلو بعزل القدس عن محيطها مستغلة موقف السلطة الفلسطينية التي تكتفي ببيانات التنديد تجاه تهويد الأقصى ووسط الصمت العربي حينا وتآمره حينا آخر تجاه هذه الاعتداءات. والغريب إن هذه الممارسات الصهيونية تستمر في الوقت الذي تم فيه التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين – من خلال اتفاقيات أوسلو- على إرجاء التفاوض حول القدس إلى المرحلة النهائية من المفاوضات والتي تم تأجيلها بصفة مستمرة حتى تُتم دولة الاحتلال محاولاتها لإخلال واقع المدينة الجغرافي والديموغرافي لصالح اليهود وعندما يحين وقت التفاوض على المدينة المقدسة التي تعتبر عاصمة الدولة الفلسطينية المقبلة لا يبقي للمفاوض الفلسطيني شيء فيها يتفاوض عليه.

فهل فهمت القيادة الفلسطينية لماذا تؤجل دولة الاحتلال التفاوض حول القدس إلى المرحلة النهائية من المفاوضات هذا اذا سلمنا جدلا انه توجد مرحلة نهائية؟

عملية القدس وغيرها من عمليات المقاومة تنتصر للأرض وللمقدسات وهي “جبر لخاطر” الأمة المكسور والمهزوم ومقاومة الاحتلال هي الشعلة المتقدة التي ترسخ لاستمرار القضية وتحصنها من التآمر والتآكل والذوبان ولن يكون سواها من طريق للخلاص والتحرير.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock