مقالات

دول الحصار وجوانب من الملهاة والمأساة

صالح التيزاوي

أعلنت دول الحصار المكوّنة من ذراعين (آل سعود وآل زايد) وذيلين (مصر والبحرين) على حدّ تعبير الفيلسوف التّونسي أبو يعرب المرزوقي. وبتدبير من رأسين: أمريكا و”تل أبيب”.

أعلنت دول الحصار أنّها ماضية في حصارها حتى تستجيب قطر لحزمة المطالب التي قال عنها أكثر النّاس عقلانية أنّها غير منطقيّة ولا هي معقولة. وأنّ الحصار غير مرحّب به. ربّما أرادت دول الحصار أن تتلهّى وتلهي بالحدث (الحصار)، فآل سعود غارقون في مستنقع الحرب اليمنية لا يجدون حلّا للخروج من أوحالها. ولا يجدون طريقا للنّصر فهم يريدون البحث عن حلّ آخر، يريدون له أن يطبخ بعيدا عن أنظار الإعلام (وخاصّة قناة الجزيرة)، كما يريد آل سعود تلهية الشّعب السعودي عن الإنقلاب الحاصل داخل العائلة المالكة. أمّا آل زايد الذّراع الثّانية لجبهة الحصار، فهم مسرورون بوفرة المال وبالدّور الذي يقومون به بالوكالة عن الصّهاينة والمتمثّل في تخريب الثّورات العربيّة، وهم أعجز من ان يقوموا بهذا الدّور بمفردهم. فقد تقمّص آل زايد الدّور وخيّل إليهم أنّهم يؤثّرون فعلا في السياسة العالميّة.

وبالعودة إلى الذيلين فإنّ البحرين تبدو في موقفها ترضي السّعودية لكونها حمتها في السّابق من سطوة المعارضة الشيعية التي انتفضت مهّددة بإسقاط نظام الحكم ولولا التّدخّل السعودي لكانت البحرين ولاية شيعية. أمّا الذيل الثّاني (السّيسى) فهو يواجه موجة غضب من الأصدقاء ومن الخصوم بسبب الغلاء غير المسبوق. وبسبب مجمل سياساته غير الوطنية وغير الشعبية. فبدا كالغريق الذي يبحث عن قشّة يتمسّك بها، يريد صرف الأنظار عن جرائمه بحقّ الإنسان والوطن، فهو يبحث عن “الرّزّ” الخليجي مهما كان الثّمن لإطعام الأفواه المفتوحة والبطون الخاوية والتي فشل فشلا ذريعا في تحقيق ما كان قد وعد به لمّا انقلب على الرّئيس الشرعي والمنتخب. إنّه يريد إقناع خصوم يتكاثرون يوما بعد يوم بانّه يقوم بدور أيّا كان هذا الدّور حتى وإن كان ذيلا. ومن هنا تبدأ فصول المأساة: مصر التي كانت على عهد عبد النّاصر تدعم حركات التّحرّر في العالم تجد اليوم نفسها تحت حكم السيسي تنسّق مع الصهاينة لحصار غزّة المقاومة والشّهيدة. مصر التي كانت أبرز أقطاب دول عدم الإنحياز إلى جانب الهند ويوغسلافيا حوّلها السيسي المنقلب إلى تابع لآل زايد مقابل حفنات من الرّزّ.

يتبيّن لنا ممّا سبق أنّ دول الحصار في حقيقة الأمر شركاء متشاكسون، ما يفرّقهم أكثر ممّا يجمعهم. السعودية تتودّد إلى السّيسي لأنّه ينكّل بالإخوان، وهي تحرّض على ذلك خوفا من نموذج إسلامي معتدل يجمع بين قيم الإسلام الخالدة والقيم الكونيّة. أمّا حكاية الإخوان جماعة إرهابيّة فهذه فرية لا أحدّ يصدّقها لأنّ الجماعات التّكفيريّة والإرهابيّة تنهل من الفكر الوهّابي ولا أحد منها يتبنّى فكر الإخوان.

أمّا الإمارات فإنّها لم تغفر للإخوان وللإسلام السياسي عموما انخراطهم الكامل في الثورات العربية. وترى فيهم بديلا راجحا لأنظمة الحكم القبليّة والعسكريّة والإستبداديّة في حال نجاح الثورات العربية وإقرار التمشّي الدّيمقراطي. اختارت الإمارات الحرب على الإخوان وعلى قطر، والاولى بها أن تصوّب قصفها لإيران التي تحتلّ أراضيها. ومن غرائب السياسة أنّ الإمارات تدعو دولة قطر إلى التّخفيض في علاقتها الدبلوماسيّة مع إيران فيما تحتفظ لنفسها بعلاقات كاملة مع الدّولة الفارسيّة التي تحتلّ جزرها.

البحرين هي الأخرى تفتح على نفسها جبهة جديدة مع جمعيّة الإصلاح الإخوانيّة التي تدعم النّظام والدّولة، تفعل ذلك إرضاءا للنّظام السعودي. وتغفل عن خطر التّشيّع الذي يهدّد كيان النّظام والدّولة. ويريد أن يبتلع الجميع بدعم من إيران وبتكتيك من حزب الله الذي يريد تعميم تجربته في اختراق الدولة وخطف قرارها على كل الطوائف الشيعية في البلاد العربية.

وفيما تغرق دول الخليج في نزاعاتها القبليّة وصراعاتها الطّفوليّة، وتتسابق نحو أمريكا بما في ذلك قطر لتوقيع اتّفاقيات ثنائية ظاهرها مقاومة الإرهاب وجوهرها توفير الحماية خوفا من خطر الشّقيق والجار الخليجي. وفيما تنشغل مصر بتأمين الرّزّ فإنّ إيران تبتلع العواصم العربية واحدة تلو أخرى. فماذا ينتظر شيوخ العشائر؟ لا شكّ أنّهم إذا لم يعودوا إلى رشدهم فإنّ الدّولة الفارسيّة ستبتلع الجميع. وتصل المأساة ذروتها عندما تطالب دول الحصار بتصفية المقاومة الفلسطينيّة وتعتبرهاّ إرهابا (كما يريد الصّهاينة). وهم من فرط غبائهم لا يدركون أنّ ذلك لو تمّ لفوجئوا بدبّابات الصهاينة تجتاح عواصمهم من كل باب تدكّها وتحرقهم بنفطهم وبأموال تبرّعاتهم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock