مقالات

حفاتر العرب ومهمة الثورة ومسانديها

أبو يعرب المرزوقي
لما علقت على حربي اليمن ميزت بين حرب الحدود وحرب الشرعية. فهذه لحماية حدود السعودية من قاعدة إيرانية حربا خاطفة بغطاء حرب الشرعية الدبلوماسي.
وحرب الشرعية ستكون طويلة وتحتاج إلى مهارتين: أولاهما الفصل بين الحوثي وصالح واستعماله موقتا ما دام هو المحتاج إلى من يساعده في العودة. لأن الخطر الإيراني سيحصر حينها في الحوثيين، لأن علاقتهم عقدية وليس سياسية فحسب، وعندما يهزم الحوثيون يصبح من اليسير التعامل مع صالح سياسيا.
حينها لم أكن أعلم أن الحرب كانت تخاض بأجندتين:
– علنية، هي محاربة الحوثي وصالح.
– وخفية، هي القضاء على الاخوان ولو بالحلف مع القاعدة كما في مصر.
ما يجري في سيناء وبنغازي لا يختلف كثيرا عما يجري في اليمن: حلف مع داعش لتبرير دعم حفتر ضد الاخوان. ونفس الشيء كان يجري لدعم حفتر اليمن.
حفاتر العرب خمسة: السوري والمصري واليمني ويبحثون عن التونسي ورئيسهم هو ممولهم من باطنية الخليج. اتضحت المعركة التي تخوضها الثورة المضادة. لماذا أقول اتضحت؟ لان باطنية الخليج أعلنت بصراحة عن اجندتها بتمويل انقلاب تركيا الفاشل وبحصارها قطر الأفشل. فماذا تنتظر الثورة للرد المناسب؟ قبل أن أتكلم على الرد المناسب، فلأبين علة تغير موقفي من استمالة صالح: فمن كان يبحث عن دور سياسي سيكون أداة سيسوية باطنية للقضاء على السعودية. ومعنى ذلك فهو لن يكون صاحب اليد الطولى ضد الحوثية، بل هو سيكون مثل حفتر والسيسي والأسد وحفتر تونس الخفي أدوات في خطة باطنية صهيونية بينة.
وحتى أعلل خطأي الذي جعلني أعبر عن رأي في ضرورة استمالة صالح في بداية العاصفة، فلأشر إلى أني لم أكن الوحيد الذي انخدع بخطوات سلمان الأولى. فعلاقته الحميمة بتركيا، وعلاقته المضطربة بالسيسي، وحتى ما سرب من موقف من نكبة الاخوان، كل ذلك جعلني أعتقد أن أمرا ما فرض عليه تغيير موقفه. ولعل أول علامة جعلتني أتوجس هو خرافة 2030 فكتبت فيها معبرا عن شكوكي في إشارة لانعدام الشروط وعلامة أخرى عميقة هي إسكات خاشقجي دون تبرير. فقد عرف الرجل بما يفيد بأنه أساء فهم الاجندة الخفية أو بأنه مثلنا انخدع بخطوات سلمان الأولى. وإذن فما يجري حاليا هو تغلب الأجندة الباطنية.
لم تعد السعودية ذات إرادة مستقلة وقائدة، بل هي تابعة ومقودة. وحتى وزير خارجيتها التي كان يتكلم على إخراج بشار بالقوة إن لزم الأمر، كان مخدوعا. ويكفي أن تراه في لقاء القاهرة الأخير: فهو إلى جانب من لاحول له ولا قوة والمتعنتر الوحيد هو ممثل الباطنية، إذ حتى الراكع لناتن ياهو كان مجرد بوق. الحصيلة: سينصب حفتر اليمن الذي لم يعد صالحا، بل ابن صالح، وسيصبح اليمن كله وليس الحدود بينه وبين السعودية مثل مصر محكوما بنفس العمال السيسوية.
وكان ذلك يقتضي أمرين تم الشروع فيهما:
– اخراج القوة السودانية من اليمن لأنها اخوانية للقضاء على إخوانه.
– وحصار السند القطري لتعاطفه مع الثورة.
وكان ينبغي اغراق الجيش السعودي في حرب لا نهاية لها ككل حرب عصابات، وجعل الحدود جرحا نازفا لا يتوقف حتى لا يحول دون ما يحاك في داخل السعودية.
وبذلك يسهل حسم قضية التوريث لمن يريدونه خاتما في أصابعهم، وشرطه ابعاد ولي العهد الذي عرفت أباه وقد سمعته في لقاء ببيت الحكمة منذ عقدين، فرأيت فيه الرجل الشهم الذي يؤمن بالأمة الإسلامية وقيم الإسلام ويؤمن خاصة بدور الأمة العربية في قيادتها، وهما عندي شرطا الاسهام في الاستئناف. صحيح أني لا أعرف ابنه، ولم تكن معرفتي بأبيه عميقة لأن اللقاء كان وحيدا وقصيرا، لكن له سمعة شبل من أسد وكان يمكن أن يحقق حلفا سنيا يسترد الدور. فالإقليم فقد توازنه بغياب الدور السني ومن دون حلف عربي تركي يمتنع استرداد الدور فضلا عن رمزية بداية دولة الإسلام (العرب) وغايتها (الأتراك).
ولأشر سريعا إلى أنهم لم يجدوا بعد حفترا تونسيا لأن جيشنا محصن. لذلك فهم يبحثون عنه في عملاء من جنس آخر ربتهم مخابرات الغرب لهذه المهمة. ومنهم اختارت باطنية تمويل الثورة المضادة من تموله وتحرضه وتنظم له لقاءات بحفتر ليبيا ويعلن تأييده لحفتر مصر وكلهم عملاء إسرائيل مثل السيسي.
والسؤال: هل الجواب المناسب ممكن؟ بوضوح: هل الحلف بين قطر وتركيا يمكن أن يعوض الحلف بين السعودية وتركيا ومعهما قطر لقيادة ثورة الإقليم؟ جوابي نعم. ذلك وإن لم يكن وافيا، فهو كاف: ذلك أن المطلوب ليس بالضرورة ربح حرب مناجزة، بل ربح حرب مطاولة. فالصمود والمناورة كافيان لحرب شعبية. والحرب الشعبية في هذه الحالة ليست مواجهة عسكرية بين دول، بل هي جامعة بين المقاومة الشعبية والحرب الرمزية والدبلوماسية والإنجازات الرمزية. ولما كانت المقاومة الشعبية ظاهرة معلومة، فلن أتكلم عليها، بل سأكتفي بالأمرين الآخرين: المناورة الدبلوماسية والانجازات الرمزية اساس الجاذبية.
فالرد المناسب له غايتان وكلتاهما تنتسب إلى الرمزيات: التي تزيل الدفع لدى الأعداء بالدبلوماسية، وتقوي الجذب لدى الأصدقاء بالمنجزات الرمزية. وأعتقد أن قطر تمثل نموذجا في هذين البعدين: فدبلوماسيا استطاعت اخراج جماعة الحصار أصفار اليدين، وهي بمنجزين رمزيين ربحت قلوب الأمة بلا منازع. وبوفاء الابن للأب، تواصلت الخطة: الجزيرة الاعلامية وفروعها للتاريخ الحي بالمباشرة، والماضي بالوثائقية، ثم ضربة المعلم بتنظيم كأس العالم لكرة القدم. ولعل غفلة الأعداء التي يعللها صغر قطر، لم تحصل في تركيا. فبدأوا بها، ولما فشلوا التفتوا إلى قطر. لكن القطار فاتهم: فقطر وتركيا كانا مستعدين.
والسؤال: أليس من الخطر عليهما أن يصبح سندهما للثورة والسنة في الإقليم صريحا؟ أليس ما يعنيه أعداؤهما بمساندة الارهاب هو سندهما للمقاومة؟
هنا يأتي واجب المناورة الدبلوماسية المشروطة بأمرين:
1. بمسؤولية المقاومة واجب الوحدة والتخلص من الدخلاء.
2. وعليهما ضرورة تقديم بعض أكباش الفداء.
وهؤلاء يجب اختيارهم ممن فيهم شك: فالأقرب أنهم دخلاء، فالمزايدون غالبا ما يكونون منهم. فهؤلاء دون الاضرار بهم فيكفي ابعادهم كمناورة دبلوماسية.
والقضية كلها ربح وقت: ذلك أن المجنون ترامب هو بدروه من جنس السيسي، ليس رئيس جمهورية، بل هو “بنتان” أي حفتر بيد مخابرات بوتين ولوبيات إسرائيل.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock