مقالات

طراطير الثورة المضادة لا يمكن للصهيونية أن تمكيج عيوبكم وغباءكم

أبو يعرب المرزوقي
لا أحد يجهل ما للصهيونية من أدوات تأثير فعالة في القرار الغربي عامة لتحكمها في أدوات التأثير المادي والرمزي العلنيين، فضلا عن الخفي من الأدوات. ولا أحد يجهل أن هذه القدرة هي بدورها خدمة تتمعش منها الصهيونية لأنها تعتبر الوسيط المفضل لدى حكام الدولة التابعة للدخول إلى القرار الغربي. والخفي من أدوات التأثير (الاستعلام ومراكز البحث) أدهى وأمر من أدواته العلنية (المال والإعلام) وهي أيضا خدمات تستفيد منها الصهيونية العالمية. كل ذلك معلوم ويكفي لبيانه الإشارة إلى رأس جبل الجليد الذي يمثله هذا السلطان وتأثيره: فجل الأحزاب الغربية قياداتها صهيونية أو تابعة لها. وأخيرا، فالسلطان الأكاديمي والإبداعي الحديث كله خاضع لهذا السلطان الظاهر أو الباطن بفضل السلطانين الأولين أي المادي (البنك) والرمزي (الإعلام). 
وقد سبق أن أرجعت كل سلطان إلى أداتين سميتهما رمز الفعل (العملة أو البنك) وفعل الرمز (الكلمة أو الإعلام). سلطان على الأبدان وعلى الأذهان. لذلك فلن أطيل الكلام عليهما، بل على أوهام الحكام العرب في نوعي الانظمة القبلية والعسكرية: فكلاهما يتوهم توظيف هذا السلطان بكلفة معقولة. لكأنهم لم يقرأوا قصة شايلوك. صحيح أن أغلبهم أميون ولا يقرأون فضلا عن أن يقرأوا شكسبير. وحتى إذا قرأوا وأرادوا أن يعتبروا فلن يفعلوا. لماذا؟
فما ينتظرونه من هذا السلطان لا يمكن أن يحقق إلا مصلحته هو وخاصة في حالتهم: ففاعليته لن تستطيع إخفاء عيوبهم التي لن يجدي فيها الماكياج. وأساس مصالحه كلها المحافظة على ظاهر من المصداقية للأفكار التي يدعي الدفاع عنها، ماكياجا لما يمكن أن يمرره باسمها ما يقبل التمرير بوسائله. ولما كانت عيوبهم مما لا يمكن تمريره، مع المحافظة على ظاهر مصداقيته، فهو سيأخذ منهم الرشوة ثم يتركهم يتخبطون كما نراهم في معركتهم مع قطر.
ذلك أنهم بلغ بهم الغباء في مطالبهم من قطر ما لو تحقق، لكان ضربة قاصمة لمصداقية أدوات الفعل التي تمكن من الماكياج باستعمال ظاهر المصداقية. فاستعمالهم فعل الرمز (الكلمة والإعلام) ورمز الفعل (العملة والمال) بشكل بدائي ومفضوح، يرتد على دورهما الذي مثل كل سلطان، يحتاج لظاهر المصداقية. لم يبقوا شيئا ينتسب إلى ظاهر المصداقية فضلا عن حقيقتها. فهم يمثلون خطرا على أداتي فعله. مثال ذلك حربهم على “حرية” الإعلام: ظاهر مصداقية. لا أحد من اللوبيات الصهيونية يقبل بغلق الجزيرة حتى وإن كان يتمناه، وحتى وإن كان لا يقول في قرارة نفسه بحرية الإعلام: شرط ظاهر المصداقية. ولن يجدوا أحدا منهم يقبل بمقاطعة مصادر التمويل الأخرى من أجل لون عيونهم هم وهو يعلم أنهم لن يستطيعوا منعه ما أعطوه بدافع غريزة البقاء لديهم.
لذلك فلا يمكن تصور صمود جبهة الرأسين (السعودية الإمارات) أما الذيلان الآخران فلا أحد يحسب لهما حسابا، ومن ثم، فقد خسروا أموالهم وشرفهم سدى. وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد. فالخسارة تتجاوزهم لتشمل كل العرب. بل وكل المسلمين: فما كانت قضية فلسطين وقضية السنة تحول دونه أصبح ممكنا. ذلك أن سقوط السعودية في حبائل باطنية الخليج سيمرر ما كانت هاتان القضيتان الرمزيتان تحولان دونه: الاستسلام الممكن لسلطان الصهيونية والصفوية. ولولا توقعي أن الرهان هو هذا الاستسلام الممكن، لما كتبت في مسألة يدعي أصحابها أنها معركة في الأسرة الخليجية (الكذبة الكبرى): لا وجود لها. وحتى لو فرضناها موجودة، فالعداوات الأسرية أخطر من العداوات بين الأغراب. والمعركة في كل قطر خليجي وفي السعودية الحالية خاصة، أسرية بامتياز. بل إن هذا الاستسلام علته أن الأسر الحاكمة لم تعد قادرة على حسم معارك الوراثة بروح أسرية، بل هي تحتاج لتدخل أجنبي يرجح الوريث الأكثر عمالة.
لذلك فالثورة التي تعيد للشعب دوره، تحتاج إلى نظام عربي (قطر) ونظام مسلم (تركيا) مدرك لهذا الخطر، ومحافظ على القضيتين بقدر وسعه: إنه الرهان. ولهذه العلة أتكلم في المسألة وأحاول تثمين دور قطر وتركيا، أي سياستهما المدركة لهذا الخطر والمحافظة على رجال الثورة وفلسطين بقدر وسعهما. فلست غرا حتى أعتقد أن قطر وتركيا يمكن أن يتجاوزا خطوطا حمرا يضعها الأمريكان وهم الذين سيفرضون الحل الذي يحافظ على “مصداقية” الماكياج القيمي. فإذا بقي ركن الشعب إلى الاستسلام وعدم الحركة المؤثرة، فإن النظامين لن يستطيعا الصمود أمام هذا السلطان الذي تحالف فيه ذراعان واصلان وتوابع. فالذراعان هما إيران وإسرائيل والأصلان هما روسيا وأمريكا والتوابع هم هذا المربع المعادي لقطر ومن يتبعه من طراطير العرب الآخرين المعلن والخفي.
وطبعا تحريك الشعب لمساندة قطر وتركيا، ليس من مهام الأنظمة التي يحكمها الطراطير، بل هو من مهام الثورات إن بقي فيها شيء من روح الثورة وإيمانها. وعلى كل، فمن تخلى عن روح الثورة والإيمان بها لن يربح شيئا حتى لو أوهموه بالمشاركة في الحكم: سيخرجونه مهما توهم بخفي حنين في الوقت المناسب. تلك هي علة كتاباتي في المسألة: فلا أنا مع زيد ضد عمرو، ولا مع عمرو ضد زيد. كل ما يعنيني هو فهم الوضع ومآلاته ما أمكن ذلك بشيء من الموضوعية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock