تدوينات تونسية

حول الثورة.. وفي ثورتنا

نور الدين الختروشي
قد لا يختلف المراقبون للحالة التونسية ومؤشرات تطورها منذ الثورة الى اليوم الى ان الاطراف الوازنة في تحديد مستقبل البلاد قد خرجت من الاخاديد التي مر بها المسار السياسي بقناعة راسخة لدى أهم الفاعلين ان هذا الوطن يسع الجميع، وان المنافسة في الخير العام غير الاستعداء في الحقيقة الذاتية بعنوان الايديولوجية او الحزب، وأن تونس في مرحلتها الانتقالية خاصة، وفي مستقبلها الديمقراطي عامة، لن تحكم الا على قاعدة تشاركية، وان الدخول في زمن الحداثة السياسية برافعة اللحظة الثورية يكاد يكون بصمة تونسية خاصة، وان تموجها الثوري على محيطنا العربي لم يكن بارادة منا لتصدير نموذجا في تكسير النواة الصلبة لمنظومة الاستبداد المشنركة عربيا، بل كان رجعا لصدى شوق عربي عميق ومعمم من المحيط إلى الخليج.
الثورة التونسية كانت سريعة وخاطفة وحاسمة، عرفت كيف تقتصد في الدم، كما عرفت كيف تقتصد في المغامرة بالجذرية. فتطور مسارها نحو الاصلاحية المبدئية الصلبة، والتي لم تساوم على الأسّ والهام والمهم والاهم، وهو تحديدا تغيير محتوى شرعية اجتماعنا الوطني من شرعية العنف والاكراه الى شرعية العقد والتراضي، وهكذا كتبت تونس الجديدة عنوان ثورتها بحبر دستورها.
التونسي اثبت ان له من الفطنة ما مكنه بسرعة للانتباه الى ان كتابة عقد التأسيس بأزرق الحبر وفاءا لأحمر الدم، أسلم من كتابة الدستور بالدم وفاءا للثورة.
بين الوفاء للجوهر والذات والقيمة، والوفاء للشكل والحاوية والرافعة، اختارت تونس الجديدة عمق المحتوى الانساني لمعنى لحظة 14 جانفي المجيدة، أختارت معنى المرحلة على مبنى اللحظة، واستوت على صراط الاصلاح السياسي الشامل من دون ان تضحي بمكسب الدولة، ولا بمكسب السلم المدني، فأثبتت للعالم ان مخزونها الحضاري وارثها المدني اقوى من كل نوازع الانقسام الحدي المتوحش لدى بعض نخبها، والتي اعيتها الحيلة في زرع بذور الفتنة بين التونسيين، فاصطدمت بمزاج تونسي طبعه نصف الحل، ونصف المكسب، ونصف المغنم، اذا احس ان “كل الحل” قد يأتي على كل الموجود.
كثيرون فزعوا يوم سقط مرسي بدبابات العسكر، وكثيرون ارتعبوا ليلة الانقلاب على اردوغان، وكثيرون اليوم يتوجسون من الحصار الخليجي على قطر. وفي كل مرة تسلم جرة الثورة التونسية من ممكن اندياح فوضى المشهد العربي في لحظته الارتجاجية السائلة والسائبة، وتثبت للجميع ان نخبنا وان نشطت أبواق ترذيلها من القريب والبعيد فانها بالمحصلة العامة عرفت كيف تدير يوميات تطور المسار وخطوط تقاطعه مع الاقليمي والدولي على ارضية المنجز الديمقراطي اولا وبما يوازن بين برودة حسابات عقل الدولة وحرارة وعفوية الرأي العام فبين وقوف تونس موقف الحياد الايجابي في أزمة الخليج واندفاع الرأي العام في الانتصار للمعنى الاخلاقي في نصرة الحق أنبجس تقليد عفوي مواكب للحالة التونسية جوهره نبادل الادوار بين مجتمع الحكم والمجتمع المدني ورغم ان اعتقال شابين من انصار النادي الافريقي الذين رفعوا لافتة يعلنون فيها كرههم لحكام العرب ونصرتهم لفلسطين وقطر كان نقطة سوداء اضعفت من حجية الرأي الذي سلم لمكسب حرية التعبير كحق دستوري ثابت ومكسب مقدس من مكاسب الثورة فإن رد القضاء باخلاء سبيل الشابين قد أشر على ان دولة العقد حقيقة عينية ملموسة في تونس الجديدة. كما أفصح عن على ان بقايا القديم في أجهزة الدولة مازال فاعلا ولكن دون مستوى القدرة على الالتفاف او الردة عن منجز الثورة ومحاميلها التاريخية والسياسية.
درس دروس السنوات الستة الماضية يكثفه عنوان التوافق بين المكونات الوازنة في الخارطة السياسية اليوم على ان لازمة التعايش هي الحرية، ولازمة الكرامة هي الحرية، ولازمة الاستقرار هي الحرية، ولازمة التقدم هي الحرية ، ولازمة السلم الاهلي والوحدة الوطنية هي الحرية ايضا. فالحرية شرط الوجود وحاضنة تحسين الموجود تلك أم حقائق اللحظة التأسيسية تونسيا.
هل يطوّح بنا التأويل بعيدا عن الحقيقة إذا قررنا أن من جعل من الثورة معاشا لا يمكن ان يعيشها، ومن يعيش الثورة قد يكتب حولها ولكن يصعب ان يكتب فيها ؟؟
العدد 12 جريدة الرأي العام

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock