مقالات

المآل المرجح لحرب العملاء على الشعب وقيم الإسلام

أبو يعرب المرزوقي
موجة الثورة الثانية ستكون مصرية. وقد تبدأ بانقلاب عسكري مختلف تماما عن سوابقه، لأنه سيكون الأخير كالذي سبق قدوم الحزب الإسلامي لحكم تركيا. ولا حل لكل ما عليه الإقليم من دون أن تتحرر مصر من هيمنة حمير العسكر على مصيرها منذ سبعة عقود. حينها ستسترد دورها لتقود نهضة سنة الإقليم.
لن تستعيد السنة دورها في الإقليم من دون حلف بين قوتي الإسلام -تركيا ومصر- المتحررتين من علل التخلف والتبعية لئلا يكونا لقمة سائغة لذراعي الغرب. اعترف بأني توهمت أن سلمان ببداية طيبة كان سيجعل السعودية بديلا من مصر، لكنه قصر نظره لسوء الحظ، جعل مشروعه التوريث وليس علاج قضايا الأمة. فمن يورث مصير بلد الحرمين لشاب قليل الخبرة ومتعجرف، ولعله قذافي عربي جديد تحت وصاية السيسي ومموله الخليجي، ليس في مستوى والده موحد السعودية. فهذا الوريث قد يؤدي إلى تفككها بعجرفة وقلة خبرة بينتها منذ أن تكلمت على مشروع السعودية 2030 الذي هو كرة هواء قد تغري مساعديه على الوراثة كذبة كبرى.
الالتزام لترامب بمحاربة أساس دولتهم بالتحديث القشري والتنكر للقيم الحداثية الحقيقية، أي حريتي الإسلام الروحية السياسة، حمق سياسي وكبوة خلقية. أعلم أن الكثير من الخليجيين لا يقبل أن يتكلم عربي من غير الخليج على الخليج. ونسوا أننا نحن الذين هاجرنا للفتح، وأن بقاءهم فيه قعود عن الفتح. ويتجاهلون أن الجزيرة العربية أصلنا جميعا وقبلتنا وأرض معالم مقدساتنا. وهي من ثمّ، تراثنا كلنا وكلنا لنا الحق في حمايته بالفكر وباليد عند اللزوم. وليذهب البترول إلى الجحيم. وهو ذاهب لامحالة. ولن يبقى إلّا المقدسات التي لن يستطيعوا حمايتها من دوننا فالترف يحول دون العمل بالأنفال 60.
والذين يريدون الثأر من العرب الفاتحين، ليس من أجل البترول والثروة المادية، بل من أجل الدور الروحي الذي تعلم إيران حاجتها له لتحقق طموحها. لكن أمراء الطوائف غافلون عن ذلك: لم يفهموا أن من سيطر على الهلال واليمن، لا يريدهما لذاتهما، بل لاسترداد امبراطورية أوسع مما أفقدهم الإسلام. ومشروعهم بيّن: استعمال الإسلام المحرف والاستحواذ على معالم مقدساته، يجعلهم هم من يصبح قائدا للامة. على الأقل بأداة الشعائر بعد احتلال الحرمين. هذه الفتنة التي انفجرت بدعوى محاربة الإرهاب والعمالة لإيران في قطر، هي آخر عملية لتحقيق هدفي الساعين لاسترداد سلطان سياسي وروحي في الإقليم. فإذا تفكك الخليج وانفرط عقد السعودية لم يبق أي جدار صد أمام إيران وإسرائيل لتحقيق السيادة التامة على الإقليم من الماء إلى الماء وعزل تركيا.
توضيح أبعاد ما يجري وأخطاره على دور السنة في الإقليم، علة جهادي بالقلم حتى وإن علمت أن مليشيات القلم عند الأعداء تصم الآذان وتعمي الأذهان. فالأنظمة القبلية والعسكرية ليست إلا أدوات بيد الاستعمار وذراعيه بتوظيف الحكم، وكاريكاتوري النخبتين الدينية والليبرالية لمهمة التثبيط هذه. فالحرب ليست على قطر حرب دورين يهددان الاستعمار وذراعيه هما: افساد الامر على مليشيات القلم بالجزيرة، وعلى الاستبداد والفساد بإجارة المناضلين. لذلك ضموا تركيا التي رجعت لحضن حضارتها إلى الحرب على وظيفتي قطر المساعدتين لثورة الشعوب ولتحرير فلسطين لئلا تكون مجرد ورقة تمويه إيرانية.
وطبعا لن تقع قطر في فخ الارتماء في أحضان إيران. وهو ما كان يمكن أن يحصل لولا وجود تركيا التي عادت إلى حضن حضارتها وتؤدي نفس الدورين. بدأوا بتركيا ففشلوا. فالشعب التركي يعي أن شروط حريته وكرامته هي الرهان وسيفشلون إذ ثنوا بقطر، لأن شعبها والشعب العربي كله له نفس الوعي. مشكلة الاستعمار والذراعين والعملاء من الانظمة القبلية والعسكرية التي تمثل الثورة المضادة، هي معركة الوعي الشعبي التي خسروها ولن يستردوها. تصوروا أنهم بعد أن احتلوا مصر بعميل، وصل المارشالية دون أن يطلق النار إلا على شعبه، لم يبق أمامهم إلا قطر وتركيا بالتوعية وحماية المناضلين. نسوا أن الثورة بدأت تتجذر حتى في أقطارهم. فموقف شعوبهم لا تستند إلى خرافة القرابة القبلية، بل إلى الوعي القلبي بنهاية عهد الاستبداد والفساد. والوعي القلبي هو بداية كل ثورة: فسيليه بالتراكم الوعي اللساني، الذي إذا لم يكن كافيا، سيتراكم حتى يصبح وعي اليد أي الثورة أو التحرر من العبودية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock