تدوينات تونسية

حول موقع تركيا وقطر…

بلغيث عون
الموقع المشكل لقطر يريد كثير فهمه انتقالا من حلف السعودية إلى حلف إيران. الأسطوانة نفسها تعود في كل مرة يتعلق فيها الأمر بالتحالفات. قيل من قبل أن تركيا عقب الإنقلاب الفاشل ستدير وجهها للسعودية وتولي وجهها شطر إيران وروسيا وحزب البعث ولم يكن الأمر كذلك إلا بمقدار. مع قطر كما مع تركيا بالأمس واليوم وغدا لا يبدو أن الحديث عن خروج من حلف لآخر دقيقا إلا بمقدار ضئيل. التقارب التركي الإيراني لن نتوقع منه أكثر مما توقعنا من التقارب التركي الروسي. أفضل تعبير عن مثل هذه العلاقات كونها في كل مرة “محدودة”، بمقدار”، ضئيلة”… كيف نفهم ذلك؟
سر التحاليل “العبقرية” التي تلقي بتركيا حينا وبقطر أحيانا في هذا الحلف أو ذاك يكمن بلا ريب في الصورة (الواقعة لا محالة) للأقطاب أمريكا/روسيا، إيران/السعودية.. لكن الضعف الكبير أيضا لهذه التحاليل يكمن في السقف الدنيء للتفكير بحسب واقع الحال الذي بات متحكما ويرغمنا على القبيح والأقبح ويكمن أيضا في الجهل الكبير بالخيار الأوسع للشعوب والذي ليس إيرانيا ولا سعوديا. وبزعمي فإنه لا يمكن اليوم فهم الإرباك الذي تحدثه تركيا وقطر بالنسبة للتحليل السياسي إلا إذا أخذنا في الإعتبار العناصر التالية:
• أن الخيارات الحقيقية للشعوب ليست متشكلة بعد مع السعودية وأمريكا ولا مع إيران وروسيا وأن أوسع الشرائح تدفع عند أول فرصة تجدها مع قطب عادل ونظيف اليد ومقاوم لا تقنعه عمالة البترودولار ولا سفالة الطائفيين الإيرانيين. فالسعودية وما لف لفها وإيران وما لف لفها وجهان لعملة النكبة. إن مفاهيم العدل والحرية وكرامة الإنسان ملوثة لديهما على السواء بالإنحطاط المعرفي والقيمي وبالطائفية والعشائرية والأحقاد التاريخية وبأسوإ فهم للنفعية وبالإنغلاق العقائدي والولاء الأعمى للأئمة… العناصر المختلفة التي قد يختلفان فيها ويمتاز بها الإيرانيون مثل نقص الفساد المالي (مثلما أشدت مرة بإيران في مقال سابق بينما رأينا آيات الله العجيبة في فساد السعوديين الذين يخزنون بحسب تقارير ليست خفية زهاء 3 ترليون دولار في البنوك الأمريكية والصهيونية) والمقاومة (التي لا تعني شيئا لدى السعوديين بل يدينون بلا مواربة بالعمالة) – هذه العناصر نفسها شأن طائفي لدى الإيرانيين وتفاصيله كثيرة. وفي الجملة فإن مفهوم الإنسان في درجته الصفر لدى السعوديين والإيرانيين معا (يدل عليه السجل الأسود لحقوق الإنسان في الداخل الإيراني والسعودي كما العار الذي لحقهما على السواء في الخارج بدرجات متفاوتة في سوريا واليمن)، ذلك يترك الساحة خالية من قطب مختلف يشد الأنظار.
• أن طموح الشعوب إلى مقاومة نظيفة ينشد تلقائيا إلى تركيا وقطر حيث يجد عناصره الهادئة في تركيا (وموقفها الواضح من حق المقاومة ودعمها الظاهر والمبطن لها) وقطر (التي تكفلت برواتب الموظفين في غزة عقب الحرب وبإعادة إعمارها كما تؤوي المقاومة وتسمح لها بامتلاك السلاح على التراب القطري للدفاع عن نفسها) في الوقت الذي تحافظ فيه كل منهما على علاقة متميزة بشعبها ليست بحاجة للتأكيد أي على نظافة مشهودة لليد من الإستبداد.
• أن تركيا وقطر قد شرعتا بعد في تمثيل هذا الدور الطريف: إذا كان الإنقلاب التركي يعني أن أمريكا غير راضية عن الممانعة الهادئة التي تشكلها تركيا فإن الموقف الثابت لنظام البعث من تركيا يعني ثبات موقف تركيا من مسألة الحرية والإستبداد. أيضا فإذا كان الإستهداف الشديد لقطر كما بات واضحا يعني أن قطر تشكل ممانعة هادئة فإن الموقف الثابت أيضا للنظام البعثي الدموي وجماعته من قطر يعني ثبات موقف قطر تجاه قضية الإستبداد. واضح تماما أن تركيا وقطر لا ينظر إليهما بعين الرضا من هذا الحلف أو ذاك وأن خصائص جنينية مختلفة لقطب ممكن تقع هنا لجهة تركيا وقطر.
• كون قطر وتركيا ذوات مصالح لا تحصى مع أمريكا خاصة وكون هذا القطب تتداعى عليه الأيدي كما الأكلة على قصعتها ذلك لا يمس في شيء الحقيقة التالية: كون المقاومة العادلة ونظيفة اليد أيا كان من يرفع ذكرها هي المطلب الأخير للشعوب وكون العمالة السعودية تماما كما الإجرام الإيراني البعثي مجرد أوساخ تلقى على قارعة الطريق ذات اليمني وذات الشمال…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock