تدوينات تونسية

عفوا لقد نفد رصيدك

منجي باكير

من ثوابت الحياة في هذه الدّنيا أنّ الإنسان مدني بطبعه، ومعناها التّقريبي أنّ الإنسان لا يستطيع العيش إلا في وسط مجموعة، لأنّ حكمة الله أرادته كائنا إجتماعيا،،، وهذا الوضع الإجتماعي المفروض واللاّزم، يحتّم عليه إيجاد علاقات تواصل وتعايش وعلاقات تعامل وتفاعل، هذا ثابت وأكيد…

وأيّ فرد منّا عندما يتواصل مع طرف مقابل، في الحقيقة إنّما هو يصنع أو يحدث علاقة جديدة مع ذاك الطرف الآخر، هذه العلاقة إذا أردنا تمثيلها هي أشبه ما يكون بالعمليات البنكيّة، تقولون كيف ذلك ؟؟؟

مثلا أنت عندما تقيم علاقة جديدة مع شخص ثاني، فأنت مثل الذي يفتح حساب في بنك (كيف اللّي يحلّ كونت بانكار)، البنك هو الطّرف الآخر والحساب هو تلك العلاقة،،، وبقدر ما تبقى هذه العلاقة قائمة والتعاملات مستمرّة فإنّك تودع أو تدّخر المال في ذلك الحساب،،، سواء تضع قيمة كبيرة مرّة واحدة أو على دفعات صغيرة فهذا يرجع لإمكانياتك ورغبتك أيضا، لكن أنت في كلّ الحالات مستمرّ في وضع مبالغ مالية…

وبصفة أوضح أنت عندما تصبّح أو تسلّم على شخص أو تبتسم في وجهه أو تقدّم له يد العون فإنّ هذا العمل عبارة عن (قيمة) وضعتها في حسابك عند هذا الشّخص،،، أيضا الهديّة، المجاملة، الكلمة الطيّبة، المساعدة أو مشاطرة هذا الشّخص في الأفراح والأحزان ليست إلاّ زيادة في رصيدك عنده،،،

هذا الإيداع !، لكن بالمقابل هناك السّحب، السّحب هو أنّك مثلا تقابل نفس الشخص لظروف معيّنة بجفاء، أنّك لا تهتمّ به، لا تجيب على طلبه بالهاتف، السّحب أيضا عندما تخلف معه موعدا أو عهدا أو لا تهتمّ لما يطرأ عليه من أفراح أو أحزان،،، هذا كلّه يدخل في باب السّحب، بمعنى أنّ كل سلوك سلبي تُجاه الآخر يدخل في باب السّحب…

والسّحب في كلّ علاقة أمر طبيعي وواردْ، لكن كيفيّة وقيمة السّحب وتوقيتاته هي التي تحدّد واقع ومستقبل العلاقة التي بينك وبين الشّخص الآخر.

وحتّى تكون العلاقة طيّبة ومستمرّة:

أوّلا يجب عليك الإلتزام بالإيداع استمرارا وقيمة، إلتزام في الكمّ والتزام في الكيف، معناها أن تكون وفيّا في تغذية الحساب بصفة مسترسلة وكافية…

ثانيا على مستوى السّحب، السّحب مثل ما قلنا طبيعي، لكن المثل -يقول إجبدْ ما تردّ،، الجبال تتهدّ-… ولذلك واجب عليك عمل موازنة بين الإيداع والسّحب…

صحيح أحيانا تجد في بعض الأشخاص من يمنحونك فرصة (الإستدانة) ويسمحون لك أن تدخل في (الرّوج)، لكن هذه تبقى أمور ظرفيّة نسبيّة وليست مطلقة وليست مع كلّ النّاس، ولهذا احذر أن تصل -العلاقة- إلى هذا المستوى من التداين والإفلاس…

كذلك ثمّة تعاملات حسابيّة بنكيّة ظرفيّة واستعجاليّة، هذه التعاملات تقوم على المصلحة الوقتيّة، وهي تقوم على مبدأ التبادل، ومعناها أنّك تودع شيئا لصالح الطرف المقابل، كأن تقدّم له مساعدة أو تكون له واسطة أو تسهّل له أمرا، وهذا يترتّب عليه أنّ الشخص المقابل يرجع لك خدمة مماثلة بمرجعيّة واحدة بواحدة، طبعا نوع مثل هذه العلاقة لا تكون إلاّ سطحيّة، جافّة وقصيرة العمر وبالتالي هي علاقة غير مثاليّة.

لكن الأمر الذي يجب أن تنتبه له إذا أردت أن تكون العلاقة القائمة مع الطرف المقابل سليمة ومستمرّة،، تنتبه لئلاّ تبالغ وتكثّر من السّحوبات السلبيّة، تنتبه أنّك تكثر من دخول منطقة (الرّوج)، لأنّ احتمالات قبول الطرف المقابل تضعف وتخاف أن يجيء يوما ليقول لك (عفوا لقد نفد رصيدك).

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock