تدوينات تونسية

حين ألبس أهل النفط “الإرهاب” ثوب “الثورة”

لطفي الراجحي

ابتليت المنطقة العربية -ولا تزال- بألوان شتى من الصراعات أبرزها الصراعات الدينية والطائفية والعرقية والجيوسياسية. غير ان بعض هذه الصراعات مستمر لم يتوقف منذ أجيال وبعضها غاب طويلاً وعاد مؤخراً بقوة وبعضها الآخر ينتظر اللحظة المواتية للانفجار ولسوء الحظ لا يكاد أي من هذه الصراعات يندلع حتى يكتسي بجميع ألوان الصراعات الأخرى فالصراع في سوريا -مثلاً- بدأ سياسياً وسرعان ما تحول إلى نموذج مصغر ومعقد لجميع الصراعات التي تعج بها المنطقة حيث إنه بدأ بالتحول إلى ما يشبه الحرب الشاملة حرب الكل ضد الكل.

فالصراع الطائفي كان في الماضي مواجهة بين دولة وأخرى كحال العثمانيين مع الصفويين أو الفاطميين مع الأيوبيين أو مواجهة بين دولة وبعض مكوناتها كحال الدولة العثمانية مع العلويين أو حال الدولة الصفوية مع السنة فيها أما الآن فقد أصبحت دول وجماعات عديدة تواجه دولاً وجماعات أخرى في مشهد يزداد تفاقماً يوماً بعد يوم ويوازي هذا التوسع في طبيعة الصراع اتساع جغرافي في رقعة المواجهة حيث أضحت الاشتباكات حاضرة في اغلب الأقطار العربية وبمستويات وأشكال مختلفة ليس من الصعب عند تتبع المسار التاريخي لتصاعد الحشد الطائفي في المنطقة أن يدرك المرء أن عدداً من العوامل قد أفرز هذا المشهد المعقد.

فأول هذه العوامل هو انتشار وتصاعد الخطاب الديني المتطرف الذي وفر الأرضية الخصبة لحشد آلاف الشباب والجماهير للدخول إلى ميدان المعركة ورغم كون مثل هذا الخطاب موجود منذ القدم فإن تكنولوجيا المعلومات قد أسهمت -بشدة- في انتشاره.

ثاني العوامل المساهمة في تصاعد الحشد الطائفي هو استمرار الاشتباك وتواصل نزيف الدماء على الجبهات المختلفة. فضحايا الوجود الإيراني والسعودي والقطري التركي في العراق وسوريا واليمن وليبيا وضحايا سيل العمليات الانتحارية المنهمر سيظلان وقوداً لنار صراعات جديدة قادمة وستكون بلدان الخليج مجال هذا الصراع في المستقبل لانه من الطبيعي بالنسبة لها أن تعيش في هذه المرحلة بين مطرقة أخطائها التاريخية وسندان تمويل بعض أنظمتها للتطرف الذي ساهم بتعزيز فوضى المنطقة والوضع الإقليمي الخطر ولنا في الحالة السورية احسن مثال فقد سمى “جون بايدن” السعودية وقطر وتركيا تحديدآ كطرف سعى لإسقاط النظام في دمشق عبر استخدام كل الوسائل وعلى رأسها تمويل وتسليح الجماعات المتشددة ومنها القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وقال إن “مشكلتنا الكبرى كانت حلفاؤنا في المنطقة السعوديون والقطريون أصدقاء كبار لنا لكن همهم الوحيد كان إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد لذلك شنوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل المتطرفين للذين يقبلون بمقاتلة الأسد “ونحا وزير الخارجية القطري الأسبق “حمد بن جاسم بن جبر” نفس هذا المنحى عندما اقر بـ “اخطاء” بلده في سوريا.

إننا نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة فتح للملفات المسكوت عنها خاصة ملف مَن صنع الإرهاب وغذاه تجهيزا وفتوى واجهز به على بلدان بدعاوي مظللة وواهمة. الكلام العائم لم يعد يفيد. المطلوب هو ان نتحدّث بالحقائق دون اصطفاف بغيض لنفتح ملف دعم بعض دول الخليج للإرهاب باسم “الثورة” مع إضاءة أكثر تفصيلاً للمحور السعودي والقطرى التركي وهي ادوار ادّعت (الثورة) وحسبت أنها تُحسن صنعاً فإذا بها تدعم الفوضى وتدنس حضارة وتريق الدم العربي مجاناً على الأرض الطاهرة. إن الواقع يؤكّد بعد كل هذه الدماء التي نزفت والخراب الذي حل أن كل ما لمع لم يكن ذهبا وأن أغلبه كان صفيحاً صَدِئاً بلون قاتم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock