مقالات

مشروع الأعداء علاماته وغايته واستراتيجيته

أبو يعرب المرزوقي
المشروع الأمريكي الإسرائيلي في الإقليم ومن يستهدف أدلته كثيرة. سأكتفي بأبرزها. وهي كلها ضد سنة الإقليم، وخاصة مؤسسي دولة الإسلام وحافظيها.
وأقصد بمؤسسي دولة الإسلام، العرب. وبحافظيها، الأتراك. والمشروع الأمريكي كما سبق أن فعل المشروع الصليبي يعتمد على نفس الحلفاء من الإقليم. والحلفاء في الإقليم هم من لهم ثأر ضد العرب والأتراك، لسلطان سياسي أو روحي خسروه منذ نشأة دولة الإسلام ويسعون لاسترداده: إيران وإسرائيل. ومثلما حدث في حروب الاسترداد في الاندلس. الحليف الاخطر من هذين هو ملوك الطوائف العربية ومليشيات ذراعي الاستعمار بالمال والسلاح والقلم.
أبرز الأدلة:
1. منع تسليح المقاومة.
2. تسليح خلايا كردية.
3. منع تدخل العرب.
4. تقييد تدخل تركيا.
5. حماية الحشد الشعبي الشيعي والحشد النخبوي الليبرالي.
فمنع تسليح المقاومة له دلالتان:
– الأولى الخوف على المشروع الأمريكي الإسرائيلي من ثورة الشباب.
– والثانية عدم سيادة الدول العربية وحتى تركيا.
ذلك ان العرب وتركيا لو لم تكن سيادتهم منقوصة، لما انتظروا أذنا من أحد. وبهذا قد يتوهم الكثير أن إيران أكثر قدرة على تحدي أمريكا منهم جميعا. وهذه خدعة لا تنطلي علي: ما يبدو تحديا إيرانيا لأمريكا، ليس هو في الحقيقة إلا ما تسمح به أمريكا لحليف تستغل ما يتصوره دهاء، ليكون جرافة المشروع. لإيران مشروع. لكنه لن يحقق شيئا. فهو مجرد أداة في مشروع أكبر: فمثلما جندت انجلترا العرب في الحرب العالمية الثانية، هي تجند إيران والأكراد. كلهم يطبخون ما ستأكله إسرائيل مباشرة، وأمريكا بصورة غير مباشرة. لحاجتها إلى الإقليم موقعا وثروات في استعدادها لأقطاب الشرق الأقصى خاصة. لذلك، فبمجرد استكمال عملية التجريف التي تحتاج لإيران والأكراد، سيردون إلى وضع أسوأ ما رد إليه العرب الذين استعملتهم انجلترا في الحرب الأولى. ومثلهم سيكون وضع العرب الذين يتآمرون على الثورة وعلى كل من يمد لها يد المساعدة، سواء كانت قطر أو تركيا أو حتى الشعوب التي تعبر عن التعاطف.
نحن نعلم أن الصليبيين لما استغلوا الفاطميين، لم يأتوا لنجدتهم عندما استردت السنة قوتها فأزالت دولتهم التي نرى بقاياها الآن مليشيات لإيران. وكلنا يعلم أن إيران أكثر هشاشة اثنيا من العرب، ومن ثم فمن اليسير على إسرائيل وأمريكا أن يجعلوا عقدها ينفرط بسهولة بعد انتهاء الحاجة إليها.
الدليل الثاني أو تسليح الخلايا الكردية
فلا يمكن لأي عاقل أن يعتبر اسرائيل وأمريكا تتعاطف مع اليسار المتخلف لدى الأكراد. هما يعدانهم لتركيا. ولا عاقل يمكن أن يفهم أن مدينة الرقة التي سكانها عرب سنة بنسبة 95 % -وهي مدينة اعرفها جيدا- يمنع العرب من تحريرها ويكلف الاكراد. وطبعا فالعرب الذين منعوا ليسوا عرب الشام والعراق، بل كل العرب. لأن ما يحصل في الهلال هو محاصرة للعرب عامة، وللخليج خاصة، لكنهم دول بلا سيادة. تفاحلهم الداخلي ضد شعوبهم وأجوارهم، هو بدوره مجرد أداة أمريكية وإسرائيلية وإيرانية، هدفها جعل العرب يخربون ذواتهم ويمولون مشروع أعدائهم. ولو كان للنخب العربية بأصنافها الخمسة نزر من الرجولة، لكانوا هم الغالبين بما من الله به عليهم من كل شروط القوة المادية والروحية فأهدروها. وحتى داعش، فإنها لا تتجاسر إلا على العرب والسنة، وهي التي ناصرت النظام لأن الطعن في ظهر المقاومة والجيش الحر جاء منهم وخاصة في الرقة. وكما أسلفت، فالرقة -مصيف هارون الرشيد- من أحب مدن الوطن إلى نفسي. ولعل الموصل التي لم أزرها مثلها، وكذلك حلب التي زرتها مارا إلى دير الزور. مثلها البوكمال التي عرفت أهلها وشهامتهم وكرم الضيافة وما يعانونه تحت النظام النصيري من عنت واضطهاد، قص عليّ بعضه شبابهم وشيوخهم الكرام. هذه المدن العربية السنية يراد لها أن تصبح مستعمرات كردية مؤقتا. ثم ستعود الملكية لإسرائيل وأمريكا إذا ما واصل العرب محاصرة بعضهم البعض.
والعلامة الثالثة هي منع العرب من التدخل فيما يجري في الهلال
ومعنى ذلك أن العرب كبير دولهم وصغيرها، محميات يتنظر أصحابها دورهم في المذبحة. ولو كان بينهم من له من العنجهية ما له مع أبناء العمومة، لاحتل الشرق كله بأقل مما دفعوا لترمب وجواريه التي صاحبته، لسلبهم أرزاق شعوبهم. فقبولهم بالمنع، يعني قبولهم بانتظار دورهم في مصير شبيه بما يجري في الهلال. وقابلين بأن تنتهك حرماتهم وتشرد أسرهم كما يجري في الهلال. ولست أرجم بالغيب، فهذا معلن وصريح على لسان الحشد الشعبي وأمرائه و”زورو” إيران الذي يصول ويجول وكأن القيادات العربية جواري لا حول لها ولا قوة. وكلنا يعلم أنهم لو حزموا أمرهم، فتحركت فيه شيء من الشهامة، لما استطاع أحد منعهم لأن أمريكا أعجز من أن تحارب أمة الفاتحين: لكن النار تخلف الرماد. لذلك فما يحدث، لا يثبت قوة الأعداء وشجاعتهم، بل وهن الأصدقاء وجبنهم. ولا يمكن أن ننتظر غير ذلك من الفسدة الآكلين أكل الأنعام والعابدين للفاني.
والدليل الرابع تقييد تدخل تركيا
لم يستطيعوا منعها بالكلية مثل العرب، لأن قياداتها مخصلون لبلادهم وتاريخها ولمصالحها. بخلاف المحميات العربية. لكنهم حدوا من تدخلها وخاصة فيما يتعلق بتسليح المقاومة السنية ضد الاستبداد والفساد والتخريب الإيراني والإسرائيلي بسند روسي وأمريكي بين.
ولفهم ذلك وجهان:
– الأول هو ما نتج عن الخلط بين المقاومة والإرهاب بسبب الاختراق وغباء الحركات الجهادية وصراع أمراء الحرب على ثمرة لم تحصل.
– والثاني هو وضع تركيا الذي ما يزال هشا. لأن استعادة الدور التاريخي ليس مهمة سهلة خاصة وتركيا محاطة بالأعداء قديمهم وحديثهم، داخليا وخارجيا.
والمعلوم أن تركيا، وخاصة بسبب محاولة العودة إلى عمقها التاريخي، مستهدفة أكثر من العرب. لأن دورها الإسلامي في الغرب، أقرب تاريخيا من دور العرب. فدور العرب في الفتوحات الأولى من الماضي البعيد. أما دور تركيا وخاصة في البلقان وأوروبا الشرقية ما يزال قريب العهد. ومن ثم فالاستهداف أقوى. ثم إن العرب مفتتون بالطبع، لأنهم عادوا إلى منطق القبلية والجاهلية. بخلاف الأتراك. فدولتهم ما تزال محافظة على وحدتها رغم تشتت الجنس التركي. جل مستعمرات السوفيات سابقا من الجنس التركي. وهم بهذا المعنى يعادلون كميا العرب والهنود والملاويين من المسلمين، وهم عمق الأمة الاستراتيجي. وهو ما يجعل استهداف النواة الصلبة دولة تركيا، أمرا مهما لاستراتيجية الأعداء خاصة بعد أن أصبحوا في غنى عنها ضمن الحلف المعادي للسوفيات سابقا. كل ذلك موجود ضمن المشروع الذي يريد السيطرة على الإقليم لموقعه ولثرواته من أجل بقاء أمريكا وإسرائيل سيدتي نظام العالم الجديد لقرن آخر. ما أظن أحدا له قدر مهما كان محدودا من الفهم، يجهل المشروع الأمريكي الاسرائيلي ومنهجه في التحقيق. إذ حتى روسيا بوتين هي أداة من أدواته لا غير. وإذا ما استثنينا النخب العربية بأصنافها الخمسة، التي هي غائبة تماما عما يجري من حولها، ويخطط له لجعلها هنود العصر الحمر، الجميع يدرك ذلك بوضوح. فإلى الزبدة: استعمال الحشد الشعبي ومليشيات السيف والقلم، وأضيف مليشيا ثالثة مليشيات التمويل للحرب على ما يمكن أن يخرج العرب من هذا الوضع. فالنخب العربية السياسية والفكرية والاقتصادية الفنية والرؤيوية، قطع غالبها مع الطموح التاريخي. ولا يهتمون إلا بالعيش عيش النعاج بمنطق النعامة. فأصناف المليشيات الثلاثة منهم السياسي والمثقف والاقتصادي والفنان وصاحب الرؤية، أي القيادة والفكر والتمويل والتلهية والتبرير لتهديم الذات. تلك هي الأدلة والعلامات التي تبين طبيعة المشروع الذي يناصب الأمة العداء. وبالانطلاق منه، لا بد أن تتحدد طبيعة الثورة التي هي المشروع الغائب. وهذا المشروع حاضر بالقوة. ولعلم العدو به، يحاول وأد مروره إلى الفعل بحرب على الربيع وصمود شباب الشام والعراق وكل من ساعدهم من شباب الأمة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock