أنا خوفي على أولادي..
ليلى حاج عمر
ابني الخارج توّة من كهفه الدّراسي ومن دروس الفلسفة التي شغف بها وصلته أخبار المليارات فأراد المشاهدة وهو الكائن غير التلفزي فهو لا يكاد يلتفت إلي هذا الجهاز المريب المسمّى تلفزة. تابع قليلا الهستيريا الجماعيّة وخلع الأثواب والعراء المعرّي لعراء الإنسان من القيم والعبث العابث بكلّ شيء ثمّ قال: كم كلّ هذا فاقد للمعنى! إنّها ثقافة الزّوال.. ثقافة اللّامعنى. هل يعقل أن تجنى الملايين دون جهد أو تعب؟.
في صمتي شعرت بفرح شدد: لقد نجا من سطوة هذه البرامج وطغيانها. إنّه يؤمن بالعمل وهذا مطمئن. لكن لازمتني الحيرة: كيف له ولكلّ أمثاله من المؤمنين بقيمة العمل وضرورة الجهد للكسب وللترقي في الوجود أن يكون لهم مكان وسط هذا العبث الجماعي والفوضى والجنون المشترك والسّيل الجارف لثقافة اللّامعنى؟
6 مليارات هو المبلغ الذي دفعه قرابة 5 ملايين تونسي شاركوا في اللعبة طمعا في الرّبح السّريع والاستثراء الواهم دون جهد. فأيّ مكان للبقيّة؟ هل سيتحوّلون إلى ديناصورات أخيرة في مجتمع تشكّل وعيه وإرادته ورؤاه للحياة التلفزة (الخاوية) لا المدرسة ولا الكتاب؟ وفي واقع يتجاوز فيه العبث التّلفاز إلى الواقع حيث تهيمن الذّرائعيّة كسبيل للنّجاح في الحياة.
أنا خوفي على أولادي.. خوفي أن يبعثر العبث بالإنسان أحلامهم الكبرى.