تدوينات تونسية

صراحة هناك مشكل

ليلى حاج عمر
أوراق على المكتب على الأرض في السقف على الحيطان أوراق تطيّرها الريح مع فتح النافذة تصير لها أجنحة كعصافير تحطّ على سطح الجيران اوراق تصل عطّار الحومة فيلفّ فيها بضاعته أوراق تعلق بالأشجار فتتحوّل إلى أشجار معرفة بيضاء تحمل الفيزياء والرياضيات والتقنية والفلسفة والأدب وأخرى تتحوّل إلى طائرات ورقية (على فكرة كان العرب يسمون الطّائرة الورقية راية الشادن وقد خالها البعض ملائكة فهي “ذوات أجنحة ولمجيئها زجل وخشخشة وقعقعة”) تحلّق على إيقاع صوت فيروز: طيري يا طيّارة طيري يا ورق وخيطان، أوراق تصل السّماء وترتطم بالطّائرات المسافرة. أوراق تتحوّل إلى غمائم بيضاء تمطر على جبال تورا بورا. أوراق على أوراق على أوراق. تمشي على أطراف أصابعك على الأرضيّة الملغّمة وأنت تحاذر كي لا تدوس بعض الأوراق المحرّم مسّها أو لمسها أو الإمساك بها أو تغيير أماكنها (تابوهات الدراسة) فيأتيك صوته: تعبت.. أتمدّد وراجعي لي بعض المواد ها أنا أسمعك. أقفز على الفرصة فهي لحظات المتعة التي أنتظرها دائما منذ طفولة أبنائي (انحراف مهني أتلبس فيه دور المدرّسة في البيت).
ـ بم تريد أن نبدأ؟
ـ المحور الأخير: بعض شواغل الإنسان العربي المعاصر.
أمسك الوثيقة التي أعددتها لتلامذتي ووضعتها لهم في المكتبات مجانا (ملاحظة مقصودة لمن يتّهم الأساتذة بالتوحش الرّأسمالي والتّآمر مع الخارج =D في مكتباتنا أعمال كثيرة لأساتذة كثيرين تطوّعوا لتقديم وثائق إضافية إلى تلامذتهم مجانا في مواد مختلفة وخاصّة الأدب واللغات فضلا عن التطوع لمرافقة مجانية إلى آخر وقت). أبدا في القراءة والشّرح. يحرّك رأسه المنهك بين الفينة والأخرى. أنتقل من مشغل إلى آخر (ما أكثر شواغلنا نحن الإنسان العربي المعاصر) يأخذني الحديث بين مشغل وآخر من قضيّة القانون والديمقراطيّة والحداثة والنّهضة العربية إلى الواقع الرّاهن فأجدني أتحدّث عن السعودية والإمارات وقطر وترامب وأزمة الخليج (انزلاقات خطيرة =D ) ثمّ أنتبه إلى الوقت فاعود إلى المحور المبرمج وأنظر إليه فأجده مغمض العينين.
أقول له: هل تتابعني؟
ـ لا ماما أعيدي ما قلت.. ما بها السعوديّة والإمارات وقطر؟ انا لا أسمعك
ـ لا لا ليس هذا موضوعنا اليوم.. سنتحدّث في هذا لاحقا.. لنا الصّيف.. نعود إلى موضوعنا: وينو البترول؟ =D
يضحك قليلا ثمّ يرتخي ويتمدّد كقطّ كسول ويكاد يغفو
ـ ما بك؟ هل المادّة لا تروقك؟
ـ لا ماما.. واصلي
أواصل وأنا أحاذر انزلاقاتي الخليجيّة. فأجده قد عاد لإغماض عينيه.
ـ يا إلهي مش قلنا الروندة الثانية الرخ* لا؟ مازالوا 3 أيام وينتهي كلّ شيء؟
يدور على جنبه ويغطّ في النّوم.
أناديه فيفتح عينيه بصعوبة ويقول لي:
ـ أقول لك ماما.. صراحة هناك مشكل
ـ مشكل؟ ما المشكل؟
ـ أنت ماما.. أنت المشكل
ـ أنا ؟
ـ نعم سأفسّر لك. هل تذكرين حين كنت صغيرا وكنت تأتين إليّ وتجلسين على حافة الفراش تروين لي حكايات كثيرة لأغفو؟
ـ نعم.. وهل أنسى؟
ـ طيّب..أنت يا ماما الآن تهدهدينني كما كنت تفعلين.. صوتك يهدهدني ويجلب لي النوم.. هل فهمت؟
ـ يا إلهي.. ماذا أفعل؟
ـ اصرخي لأصحو..
ـ حاضر. آآآآآآآآآآ هل هذا جيّد؟
يتظاهر بالقفز ويقول:
ـ صحّيت ماما.. هكّة نحبّك.. هيّا نعمل.. ماذا عن الإمارات والسعودية وقطر؟
ـ آآآآآآآآ ليس هذا موضوعنا.. لنعد إلى موضوعنا: وينو البترول =D =D =D
#معاناة فترة الامتحانات.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock