تدوينات تونسية

قطر بين الجزيرة والجزّار

سليم بن حميدان
لما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وخرجت منها أمريكا قوة عظمى مهيمنة على ربيباتها في الحلف الأطلسي قررت فرنسا الديغولية امتلاك السلاح النووي ضمن استراتيجية دفاعية تهدف الى امتلاك قوة تفاوضية لردع عدوانية الكبار وأطماعهم (la stratégie du faible au fort).
هذا تقريبا ما فعلته قطر في اطار استراتيجيتها الدفاعية مع القوى الإقليمية والدولية في خليج هادر متلاطم الأمواج يهدد كيانها الصغير والغني بالابتزاز الدائم أو الكنس الكامل من الجغرافيا السياسية للمنطقة وذلك عبر إنتاج سلاحها النووي (قناة الجزيرة).
كانت الجزيرة أكثر من مجرد قناة إعلامية حرة إذ تحولت في وقت وجيز إلى ما يشبه القوة الإشعاعية والتدميرية للقنبلة النووية في محيط موبوء بالاستبداد.
كان ذلك هامشا متاحا لقطر تقاطعت فيه المصالح الأمريكية والغربية العاملة دوما على ابتزاز الأنظمة العربية العميلة بتخويفها من حركات التحرر العربي من الاستبداد وعلى رأسها جماعات الإسلام السياسي.
لقد دخلت قطر بالجزيرة نادي كبار الفاعلين الإقليميين والدوليين خصوصا بمنافستها لـ CNN في تغطية الغزو الأمريكي للعراق ودورها في فضح أسطورة الجيش الذي لا يقهر عبر نقلها لبطولات المقاومة اللبنانية اثر الاجتياح الصهيوني المدحور سنة 2006 والمقاومة الغزاوية الباسلة بعده.
أصبحت الجزيرة رقما صعبا بل دولة داخل الدولة وتمكن طاقمها المهني وأسطول مراسليها المنتشر في ميادين الثورة ومواقع القصف والحرق والقتل للمدنيين العزل من المساهمة في زعزعة عروش خمسة من عتاة الجبابرة الطغاة (في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا) وهو يواصل اليوم تجذير رسالته الاعلامية التحررية بالتصدي للثورات المضادة في هذه الدول والفضح الدائم للانقلابيين ومموليهم من دول التآمر وعلى رأسها الإمارات الصهيونية المتحدة مما يجعلها مرة أخرى فاعلا رئيسيا وخطرا حقيقيا عليهم في هذه الدورة الحضارية الثانية التي تصرّ هي ونصرّ معها على تسميتها بالربيع العربي.
يقيني في فشل الحصار على قطر يعادله يقيني في صمود وانتصار القوى التحررية لهذا الربيع الذي سيزهر يوما بفضل الله وإرادة شعوب المنطقة.
ولذلك فإنني أعتقد بأن المطلب الرئيسي لدول الحصار الخليجي (وهو المقصود عندي بالجزار في العنوان) لقطر إنما هو غلق قناة الجزيرة وأنها سترفع حصارها وتطوي صفحته البشعة بمجرد تلبيته وهو مطلب ستساعد أمريكا والكيان الصهيوني وأوروبا وحتى إيران باعتبارهم كلهم منتفعين به أيضا في إقناع القيادة القطرية به كفدية تقدمها مقابل رفع كامل للحصار.
هكذا يتم تجريد قطر من سلاحها (النووي) لكي تتحول إلى قبيلة خليجية محايدة أو إلى مجرد قاعدة عسكرية للقوات الأجنبية المتوافدة شرقا وغربا على المنطقة.
فهل تقبل قطر بالمقايضة فتغلق الجزيرة وتتفادى المجزرة بترضية الجزار أم لدى قيادتها خيارات أخرى ؟
قادم الأيام كفيل بالإجابة عن السؤال.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock