تدوينات تونسية

لماذا أدعم أمير قطر رغم مآسيه وملاهيه ؟

حليم الجريري

لأننا والحمد لله متناغمون مع أنفسنا وصادقون مع ذواتنا، قد لا نساند أمير قطر لسبب جوهريّ وهو أنّه لا يختلف عن ابن علي (مثلا) في مستوى كبته للحريات ومنعه للتعددية السياسية وتحييده للجو العام في بلاده، فضلا عن كونه ظلم نفسه كثيرا بسجن الشاعر محمّد ذويب صاحب قصيدة “ثورة الياسمين” (تأبيدة) لأنه تكلّم ذات تيه عن ضرورة “أقطرة” الثورة التونسية..
لا نساند أمير قطر وإلا علينا ألّا نطرب بعد الآن كلّما تذكّرنا أن تونس صارت تتنفس حرية بعد التافه بن علي، لكننا في ذات المقام نعتبره أبا عينٍ في مملكة العميان.. والخليج مضمار كبير يصهلُ فيه هو بمفرده..

تميم آل ثاني هو الأمير الوحيد الذي تطوّع ببناء 3000 وحدة سكنيّة في قطاع غزّة بعد غارات الكيان الصهيوني الماسخ عليه رمضان 2014.. وهو الذي دفع أجور موظّفيه التي جمّدتها “إسرائيل” شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين في سياق حصارها على غزّة..
السياسة القطرية هي التي واكبت أيام الإطاحة بالراحل صدّام حسين وسخّرت أموالها وطاقاتها لخدمة العراق إعلاميا ومساندته مادّيا وبكت سقوطه بحرارة ولطمت وولولت لدى انهيار بغداد..
وهي التي احتضنت قيادات حماس (وخالد مشعل مازال بين ظهراني القطريين الى هذه اللحظة) وساندته وساندت المقاومة في فلسطين وأغلقت مكتب اسرائيل للتبادل التجاري منذ سنوات وتتدرّج الى اليوم نحو تطويع علاقتها الدبلوماسية مع الصهاينة بما يُمليه “فقه الواقع” والأمر المفروض عليها، في ظلّ إشاحة وجوه كلّ الملوك والخدم والحشم العرب عن القضيّة الفلسطينية..
أمير قطر حمد بن خليفة دعم الثورة في تونس وسخّر إعلامه لخدمتها منذ انطلاق الألفية الثانية وأزاح عن قلوبنا صانع جريمة السابع من نوفمبر ودعم ثورتنا وباركها (بغضّ النظر عن ماهية نواياه المبطنة التي لا تعنيني مباشرةً) وأعطى القروض والهبات لتونس وعفا سدادنا لبعضها وآخرها الـ250 مليون دولار -التي منحنا صندوق النكد الدولي ضعفها بشروط مجحفة-..
وهو نفسه الذي يدعم علنا ثورة السوريين ويدفع لأجل المطحونين تحت بيادة نظامها بسخاء ويبارك ثورتهم ويقدم لهم الدعم الاعلامي اللامشروط ويقف في صفهم ويجذّف داخل تيارهم يوم أن تخلّت الأنظمة العبرية المتبقية عنهم وصار لا يرتجف لها جفن إلا لِماما ووقت اللزوميات..
هو الذي أسمى ما حدث ضدّ أول رئيس مصري منتخب انقلابا ولم يعتبره “تصحيحا للمسار الثوري” كما اعتبره “دهاقنة الديمقراطية وحقوق الانسان في عالمنا المُعَولَم” وهو الذي لطم للطمنا على مذبحة رابعة وأدان مرتكبها كما أدنّاه..
لكلّ هذا وغيره كثير نساند بقاء تميم صاحب الشمعة اليتيمة التي تضيء ليالي الخليج الليلاء في السلطة، ونوافق عليه ونحرّض على إسناده بالقول والفعل وحتى بالكلمة الطيبة، ويكفيه شرفًا أن ليبرمان وزير خارجية اسرائيل يبارك ازاحته عن السلطة ويسارع الجرو الخبيث “فوكس” نظيره في الخارجية الأمريكية الى الإماء بإنهاء سلطته عبر بيان فاتر يخفي الكثير من مكر الليل والنهار، ويكفيه عزّةً أن صاحب الفيديرالية رقم 51 لأمريكا الملك سلمان والمجرم المعتوه عبد شمعون السيسي والمرذول المنكود محمد بن زايد حاكم المؤامرات العبرية المتحدة، يكفيه عزّةً أنّ عبابيد كهؤلاء يحاربونه.. وقد قال ابن تيميّة قديما:
“إذا أردت أن تعرف الحق، فتتبع أين تتجه سهام العدو”.
وعلى ذكر هؤلاء، لن نجافي الحقيقة إذا قلنا إنّ الثورات العربية علمتنا أن الغرقد ليس شجراً فقط.. بل ربما هو كائنات بشرية استنبتها الصهاينة في أرحام دَنِسَة ثم نَصَّبوها حُكاما عَربا..
أي تفوه عليهم وعلى آخر من فيهم من الشيوخ والملوك والخدَمْ..

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock