مقالات

التوريث قانونه الغلبة للأكثر عمالة

أبو يعرب المرزوقي
للوراثة قوانين:
1. أولها فيزيائي
2. والثاني بايولوجي
3. والثالث سياسي موجب
4. والرابع سياسي سالب
5. والأخير غيبي.
فلنشرح ذلك علنا نفهم أكبر نكبات العرب.
القانون الفيزيائي هو غلبة الأقوى عند التقاء فاعلين طبيعيين في الرياح أو الأمواج أو المركبات المتقابلة: فالأقوى يمحق الأضعف ويبقي بما يفضله به. وهذا القانون نعلمه علم اليقين، ونستطيع توقع النتيجة قبل الصدام، إذا كنا على علم بقوة المتصادمين وظرف الصدام. ولذلك فلا خوف من هذا القانون.
القانون البايولوجي للوراثة، يكاد يماثله من حيث المعلومية. لأن قانون تواليف المورثات معلوم بدقة لكن حيل البشر في عملية اللقاح يحول دون التوقع. فيمكن أن يدعي الكثير أنه ابن فلان، ولعله ابن جاره أو ابن خادم أهله. فعلاقة الأبناء بالآباء بين الحكام غالبا ما يشوبها الشك بالنظر إلى السلوك. ثم يزداد الشك في الوراثة السياسية حتى عندما تكون إيجابية كما يحصل في التداول الديمقراطي. فيصعب أن تتوقع لأن الانتخابات قد تكون لعبة حظ.
أما التوريث السياسي السلبي، الذي يطبخ في مؤامرات داخلية بمساعدة خارجية، فالتوقع فيها يكاد يكون من جنس النوع الأول لكن المعيار عكسه: كيف؟
الوريث ليس الأقوى، بل الأكثر عمالة لمن يتحكم في المحميات العربية. وينبغي إذن أن يكون الأضعف حتى يسهل مهمة الحامي في فرض ما يريد. فهلا فهمتم؟
أما الوراثة الغيبية، فهي مزيج من ذلك كله على الأقل في الفهم البشري. نحاول ردها إلى واحد منها، أو إلى بعضها، أو إليها كلها، لكنها من الغيب. والغيب محجوب من حيث المعلومية، لكنه لا يحصل من دون سنن الهية، تجعل حدوثه يبدو وكأنه من جنس الإعجاز كثورة الشباب العربي: الأمة ستحدد الورثة.
العرب اليوم وصلوا إلى هذه اللحظة: كل الأنظمة العربية التي تلاعبت بالتوريث، نراها اليوم في حرب أهلية أو على أبواب الحرب الاهلية. والأمر واضح. وها نحن نرى أن البلاد التي كنا نتصورها محافظة على تقاليد التوريث في أنظمتها، بدأت تدخل محفل الساعين للتلاعب بتقاليد التوريث: بداية النكبة.
هذا الكلام هو من وحي التسريبات الدبلوماسية، لبلد بدأ هذا التلاعب عنده ويسعى لتكريسه لدى جيرانه. فإذا تم، فقانونه الغلبة لمن يبدي أكثر عمالة.
سيقال لي: وما دخلك أنت؟
والجواب: لو كان الأمر لا يتعلق إلا بأصحابه، لكنت معتديا بكلامي. لكن المؤامرة تشملنا جميعا. بل نحن في تونس قبل غيرنا.
فأصحاب هذه الحملات، يعتبروننا مذنبين مرتين:
1. لأننا نحن البادئين بتحرير الأمة من التوريث.
2. لأن الثورة ما تزال صامدة عندنا إلى حد الآن.
والحمد لله، فشباب تونس شديد المراس: لن تعجزه مناورات بدائية لمن أسكرتهم نخوة الجائع إذا شبع، والمتخلف إذا توهم أن استيراد علامات التحضر حضارة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock