تدوينات تونسية

الصافي سعيد كما لم تره من قبل

صالح التيزاوي

“يابني احترم سني، راني قد بوك”، بهذا الخطاب، يصل الصافي السعيد إلى أسوإ حالات الإنكسار النفسي، مستعطفا ومسترحما، وهو امر لم نتعود عليه منه. الصافي سعيد الذي دأب على الظهور بمظهر المعلم لغيره والمتباهي بما لديه من معلومات وأفكار وعلاقات وكأنه فريد زمانه، لم لا ؟ وهو الكاتب والصحفي والسياسي والمؤرخ والروائي بحكم أنه طواف زار الشرق والغرب جالس الملوك والرؤساء، كما يقول هو، متحدثا عن نفسه يعرف الكبيرة والصغيرة، الشاردة والواردة في عالم الأفكار والأشخاص والتاريخ والجغرافيا، يوحي إليك في حديثه وفي اسلوبه واستطراداته أنه نسخة من “حسنين هيكل”.

الصافي سعيد تعود مهاجمة خصومه في كل المنابر التي يحضرها لكنه ظهر هذه المرة متوترا إلى أبعد الحدود، كأني به قد ضاق عليه المكان والزمان وهو الذي كان يرى نفسه أكبر من كل مكان أكبر من كل الأشخاص ونجم نجوم زمانه، فهو ليبرالي مع الليبراليين، وهو اشتراكي إن تحدث في الإشتراكية، وهو عروبي بلا جدال، بما أنه اتصل بجهابذة العروبة، واكل وشرب معهم، لذلك فهو لا يخفي “نزعته القذافية”، و”البشارية”، وهما نظامان لم يتركا موبقة من الموبقات السياسية والأخلاقية ولا رذيلة بحق الأمة إلا ارتكباها باسم العروبة. وهو بروليتاري، أممي، ثائر أكثر من “شيغيفارا”، عندما يتحدث في الماركسية، لكنه لا يرى مانعا من الأكل مع حيتان رأس المال المتوحش، ويصادقهم، ويدير جرائد لحسابهم.

سئل الصافي سعيد عن حملة الفساد، أبعادها وتداعيتها، وعن شفيق جراية الذي لم يخف صداقته فتوتر وغضب وهاج وماج قائلا بأنه لم يات ليستمع إلى أسئلة تافهة وأنه ليس في موضع شبهة، مع العلم أن لا أحد اتهمه بشئ إلا إذا كان يرى في علاقته بالجراية شبهة وتهمة. وهي علاقة لا يستطيع إنكارها وفي محاولة منه لتعويم موضوع الفساد، يقول بأن صديقه ليس الفاسد الوحيد في البلاد (وهو محق في ذلك). وعندما سئل عن علاقة صديقه بأطراف ليبية، هرب إلى القول بأنه قذافي الهوى، وأنه ضد الإخوان المسلمين. يبدو أن علاقة الصافي سعيد الحميمة بشفيق أصبحت تشكل عبئا عليه لأنه لا يستطيع التنصل منها ولأنها لا تشرف مثقفا مثله.

ولكن السؤال الذي يقفز إلى الذهن ما الذي يجعل مثقفا في حجمه يقبل بمثل تلك العلاقة مع شخص حامت حوله شبهات الفساد والتهريب منذ زمن بعيد وهي ليست خافية على أحد.

محنة الصافي السعيد أنه لم يعد بمقدوره، أن يتنكر لعلاقته بأول الساقطين في الحرب على الفساد، ولن ينفعه الهروب إلى الأمام من خلال الدعوة إلى تأميم الثروات الوطنية، ومن قال إن التأميم يتناقض مع مقاومة الفساد والتصدي للفاسدين ؟

علما بأن صديقه الجراية وأمثاله من الرأسماليين والليبراليين أكثر الناس مواجهة لفكرة التاميم. فكيف يستقيم أن يوفق الصافي سعيد بين إيمانه بالتأميم وأكله من موائد الرأسمالية المتوحشة؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock