تدوينات تونسية

ألعابنا في رمضان

الطيب الجوادي
بمجرد أن ينتهي الأهل من إفطارهم، وبعد أن يسرع الوالد إلى “الحانوت” للعب الورق، وبعد ان تجتمع النساء في منزل يحدّدنه سلفا مصطحبات جميع أطفالهنّ، تخلو لنا الأجواء نحن الصغار وتبدأ ليالينا الرمضانية التي لا تُنسى:
نهرع جميعا لنلعب ألعابنا التي نتوارثها جيلا بعد جيل دون أن يغيّر أحد من قواعدها المرسومة بدقة ولعلّ أشهر تلك الألعاب هي لعبة “عظيم السارية”، التي لا يمكن ممارستها إلا تحت ضوء القمر. ويشترك فيها الأولاد والبنات.
كان أحدنا يقوم برمي عظم أبعد مسافة ممكنة وعلى الجميع البحث عنه في جنبات النهر المليء بالأعشاب والأشواك، وعلى كل من يعثر على العظم أن يوصله إلى نقطة متّفق عليها سلفا دون أن يتفطن إليه أحد ولا يُوفّق في ذلك إلا إذا كان يتقن فنّ ضبط الأعصاب، لأنه لو تفطّن أحد أنه عثر على العظم، فسيشبعه الجميع ضربا قبل ان يصل إلى هدفه، لذلك عليه، وبمجرد العثور على العظم ان يواصل البحث بهدوء وصبر، وهو يقترب شيئا فشيئا من النقطة التي يسرع فيها الخطو ليمرق من جموع الأطفال كالسهم، ويعلن أنه وجد العظم، فيزغرد البنات إعجابا وتشجيعا، وكان ذلك يثير غيرتي ويجعلني أحرص على العثور على العظم والوصول به إلى حيث أعلن بأعلى صوتي أنني هزمت الجميع، ولكنّني لم اوفّق في ذلك مطلقا فكان لا بدّ من حيلة ما.
أشارت عليّ نعيمة أن أحضر عظما احتياطيا، غير العظم الأصلي وأخبّئه تحت ثيابي لأجري به نحو الهدف عندما يكون الأطفال منهمكين في البحث وهو ما فعلته بدقّة، جريت نحو أعلى نقطة على ضفة النهر وصرخت بأعلى صوتي: “ها هو العظم، هاني لقيتو”!
وفي اللحظة التي انتظرتُ فيها ان تنطلق زغاريد الإعجاب، سمعتها بنت الحرام تصرخ بأعلى صوتها: “يكذب، يكذب، العظم هذاكا خباه تحتو، العظم الأصلاني، مازال ما لقاه حدّ”.
ولا يسألنّ أحد عن خيبتي وعن خجلي، خاصة بعد ان تمّ إقصائي من اللعبة “لخاطر غشّاش”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock