تدوينات تونسية

ليلة القبض على الفاسدين

صالح التيزاوي

لا شك عندي أن عموم التونسيين الطيبين، وهم الأغلبية في هذا الشعب، قد باتوا ليلة تناهى إلى أسماعهم، خبر اعتقال حفنة من المفسدين، باتوا سعداء وكأنهم ملكوا الدنيا بأكملها. سعادة، ربما لم يكن يضاهيها في وقعها على قلوب كادت تفتك بها الأحزان على ثورة شعبها، غير تلك السعادة الغامرة، يوم هروب المخلوع. ليلتها انتابنا إحساس غامر بأن الوطن قد عاد إلينا أو نحن عدنا إليه بعد أن كان ينكرنا وننكره.

قصة التونسيين مع الفرح والسعادة مثيرة فهي دائما لا تكتمل، وكثيرا ما تنقلب إلى أحزان ورجع نواح. جيل الإستقلال فرح بطرد الغزاة الفرنسيين وحلم بوطن يتسع للجميغ ويسعد فيه كل أبنائه من الشمال إلى الجنوب، ولكن الزعيم المستبد انقلب على رفاقه وانفرد بالحكم حتى جمع كل السلطات بين يديه فأصبح أكبر من رئيس وأكبر من باي ومن ملك. الويل ثم الويل لمن يقف في وجه الزعيم أو يفكر في الخروج عليه ومعارضته. غصت السجون بالمناضلين من يسار ويمين وحركات طلابية وعمالية. لقد تحول حكم الزعيم بورقيبة إلى ملك عضوض لا يبقي ولا يذر.

ويوم انقلب عليه بن علي الذي جاء به بورقيبة خصيصا لتأديب أصحاب “المادة الشخمة” استبشر التونسون خيرا على الرغم من أن الحاكم الجديد لم يأت بطريقة شرعية. كنا نبحث عن الخلاص من حكم بورقيبة فلم نتوقف طويلا عند الطريقة التي جاء بها المخلوع خاصة بعد الكلام الذي سمعناه: “شعبنا بلغ مرحلة من النضج…”. لم يمض من الوقت الكثير حتى انقلب حاكم قرطاج على وعوده وعهوده. “مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا”. زاد على استبداد بورقيبة وساخة اليد حيث تحول إلى زغيم عصابة تنهب البلاد بالطول والعرض لا يردعه ضمير ولا مسؤولية ولا دين حتى أضحى الوطن معتقلا كبيرا لأصحاب الرأي والفكر ومرتعا للفاسدين. وبحجم ما قتل وبحجم ما عذب وانتهك من حرمات وبحجم ما شرد وبحجم ما نهب من أموال كانت الفرحة عارمة يوم تناقلت وكالات الأنباء خبر هروبه ومرة أخرى عاودنا الحلم بوطن أجمل وحياة أفضل يطيب فيها العيش ويسترد الشعب كرامته التي سلبها منه الإستبداد ومرة أخرى يسرق الحلم التقى عليه هذه المرة: الإرهاب والفساد وتناحر أهل السياسة كلهم يدعي أنه على حق وغيره على باطل ويحتكر لنفسه الصواب.

فاستغلت الثورة المضادة هذه الأجواء المسمومة وحركت أذرعها المالية والإعلامية والسياسية حتى عصفت بالثورة وبأهدافها وبأحلام الغالبية الطيبة من شعبنا ليجد الشعب نفسه من جديد في نفق مظلم لا يدري كيف الخلاص؟

واليوم إذ تتحرك الدولة لضرب الفساد ومهما قيل عن أسباب هذا التحرك وعن دوافعه وعن أهدافه ومهما علا صوت الناقدين والمشككين، أليس من حقنا أن نفرح لسجن من سرقوا حلم التونسيين بثورتهم؟ أم هل كتب علينا أن تكون أحلامنا أوهاما “كمثل السراب يحسبه الضمآن ماء”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock