تدوينات تونسية

الإيقافات الإدارية الأخيرة وغياب الضمان القضائي !

القاضي أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء

تواترت الاخبار منذ يومين بشان ايقاف عدد من رجال الاعمال وهم السادة شفيق جراية وياسين الشنوفي ونجيب بن اسماعيل فضلا عن مجموعة من الاشخاص الاخرين وقد تضاربت التاويلات حول اسباب تلك الايقافات والجهة التي اذنت بها خصوصا في خضم ما تشهده بعض مناطق البلاد من اضطرابات واحتجاجات بعد تدخل قوات الامن لفض اعتصام الكامور بولاية تطاوين.

لكن من الثابت بعد التوضيح الذي صدر من الجهات القضائية ان الايقافات لم تكن باذن من القضاء و”أن النيابة العمومية بتونس في القطبين المالي وقطب مكافحة الارهاب والحق العام لا علم لها بالموضوع ولم تتخذ أي قرار بالإيقاف أو الإحتفاظ” وذلك حسبما ورد في تصريح الناطق الرسمي باسم النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس.

ولهذا السبب اتجهت الانظار الى الجهات الامنية وحتى السياسية التي يبدو انها عملت على تسريب اخبار اعلامية على لسان مصادر ماذونة تشير الى أنّ الإيقافات قد قامت بها فرق أمنية مختصّة بإذن من رئيس الحكومة وانها تمّت وفق مقتضيات الامر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ “الذي يجيز للسلطة التنفيذية ممثّلة في وزيري الداخلية والعدل ورئيس الحكومة وضع أي شخص يُعْتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معينة دون وجوب الحصول على إذن مسبق من القضاء”.

وبقطع النظر عن الروايات المنقولة حول الظروف الحافة بايقاف المواطنين المذكورين ودون نظر الى اشخاصهم او صفاتهم او الافعال المنسوبة لهم فمن الملاحظ ان الجدل العمومي قد تركز اساسا حول الدواعي والتداعيات (السياسية) المرتبطة بالايقافات اضافة الى ابراز علاقتها بشبهات الفساد بمعزل عن التعرض الى مشروعية تلك الايقافات في ضوء الدستور والقانون والاسانيد غير الرسمية التي تم الاحتجاج بها.

وفي غياب اي تصريح رسمي -باستثناء ما صدر عن الجهات القضائية- او اي توضيح علني من تلك “المصادر الماذونة” يمكن القول ان الظروف التي تحف بهذه الايقافات يلفها الغموض وان الاجراءات المتعلقة بها يمكن ان تصطدم بجملة من الضمانات الدستورية والقانونية :

1. تستوجب كافة الاجراءات التي تتخذ ضد الاشخاص (مهما كانوا ومهما فعلوا) سواء تعلق الامر بحرياتهم او خصوصياتهم او مراسلاتهم او اتصالاتهم او معطياتهم الشخصية او تحركاتهم الخ.. تطبيق المبدا الاساسي للحريات وهو قرينة البراءة الذي يقتضي ان “المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته في محاكمة عادلة تُكفل له فيها جميع ضمانات الدفاع في أطوار التتبع والمحاكمة”(الفصل 27 من الدستور).

2. يبقى القضاء -بالنظر الى موقعه كسلطة مستقلة- هو الضامن للحقوق والحريات (الفصل 102 من الدستور) ولا تنازعه في ذلك اية جهة كانت. وعلى هذا الاعتبار تتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من اي انتهاك (الفصل 49 من الدستور).

3. استنادا الى تلك الضمانات (قرينة البراءة -المحاكمة العادلة- الدفاع) “لا يمكن ايقاف شخص او الاحتفاظ به الا في حالة تلبس او بقرار قضائي ويعلم فورا بحقوقه وبالتهمة المنسوبة اليه وله ان ينيب محاميا..” (الفصل 29 من الدستور).

وهو ما اكده الناطق الرسمي باسم النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس عند اول ايقاف عند قوله ان “أي قرار بالإيقاف أو الإحتفاظ لا يتم حسب القانون إلا بإذن من النيابة العمومية”.

4. ان اتخاذ اي اجراء من السلطتين التنفيذية والتشريعية يتجاوز تلك الضمانات ويمس حقوق الاشخاص وحرياتهم يعتبر اعتداء على اختصاصات القضاء وتعديا على مقومات المحاكمة العادلة.

وبناء على ذلك فمن الواضح ان الاستناد الى الاحكام الواردة بالقانون المنظم لحالة الطوارئ -خصوصا فيما يتعلق بالايقاف الامني دون اذن قضائي او الاحتجاز الاداري لاي سبب- يتناقض مع الاحكام الجديدة للدستور الذي يؤكد ان لكل شخص الحق في محاكمة عادلة (الفصل 108) فضلا عن منعه للاجراءات الاستثنائية التي من شانها المساس بمبادئ تلك المحاكمة (الفصل 110).

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock