مقالات

غدر ترامب أو حصاد خطة أوباما

لوكنت واثقا من أن ترامب يريد بالأمة خيرا -وهو أمر مستبعد، لأن من يدفعه لما يفعل قد لا يكون به عليما- لكان ما يحدث مقبولا، بل وجديرا بالتقدير، لكني شبه متأكد أن مطلبه يمكن صوغه بالصورة التالية: سأحمي الأنظمة وأواصل اعتبار أقطار الأمة محميات بشرطين، عليكم تبريرهما وتمويلهما بسخاء.

الشرطان علنيان:

1. تصفية القضية الفلسطينية بإلغاء المرجعيات الدولية.
2. القبول بالإسلام الأمريكي والحرب على ما سواه لإنهاء أي حلم بالاستئناف.

فتكون الحصيلة فرض ما كان يسعى إليه أوباما، لأن ثمرة ترك الحبل على الغارب لإيران وإسرائيل بدأ يأتي أكله ولم يبق للأنظمة العربية غير الاستسلام وهم لا يستسلمون، لعدم وجود البديل، بل لأن للبديل كلفة تعيد للأمة دورها الكوني. وهم أبعد الناس في اعتبار ذلك همّا يعنيهم: سلموا بما مكن للأعداء.

ذلك أن تفتيت الجغرافيا وتشتيت التاريخ، لم يكن مشروع الأعداء وحدهم، بل إن الأقطار العربية تستمد شرعيتها من حرب دائمة على الجغرافيا والتاريخ.

كل شعوب العالم فهمت أن العصر لم يعد يسمح بوجود الأقزام، وبقاء الأقزام كما هو معلوم، مشروط بالتبعية حتما، ومن ثم بفقدان شروط السيادة والحرية، وهذا هو الداء الذي يجعل العرب يخشون التعاون مع تركيا، فيقعون في حبال الاختراق الصفوي والصهيوني.
وكان من المفروض ألا يخشوا التعاون مع تركيا.
صحيح أن تركيا تعافت.
صحيح أن تركيا يمكن أن تكون لديها نزعة الهيمنة ككل الدول.
صحيح أن العثمانية يمكن أن تؤسس لذلك.
لكن الأصح أهم من ذلك بكثير.

فالعرب ماديا أقوى من تركيا مرات ومرات، لو كانوا يتعاونون ويتكاملون: فالسعودية وحدها من حيث الدخل القومي تعادل تركيا، ودخل العرب أكبر ثلاث مرات.

والأهم من ذلك كله، أن تركيا لا تستطيع منافسة العرب في أمرين: معالم الإسلام في أرض عربية (الحرمان والقدس)، وتراثه أهمه عربي اللسان. وهذا لا يفتك. وإذن فالمشكل ليس في تركيا اتهاما لها بنزعة الهيمنة العثمانية، بل في ثقل الشرط الذي يجعل التعاون مع تركيا مغنيا عن حماية خارجية بشروط مذلة. وكان يمكن منذ أمد طويل أن يقوم أغنياء العرب من الخليج ومن المغرب العربي (ليبيا والجزائر) بما يشبه خطة مارشال، لتحقيق شروط السيادة العربية. وكان ذلك لو حصل، أو حتى لو تم الشروع فيه بعد الثورة، يحقق ما يغني العرب عن حلول يلجأ اليها العَجول الذي لم يستعد بذاته لحمايتها ورعايتها. لو تم ذلك لأصبح التعاون العربي التركي كافيا لئلا يستبد الصفويون والصهاينة حكوماتنا من المحيط إلى الخليج، علنا في المشرق، وسرا في المغرب. وهو استبداد بيّن اقتصاديا وثقافيا، من خلال ما لهم من شبكات تتحرك من وراء حجاب، ويكفي أن يتأمل المرء منزلة “الغريبة” في جربة، وخضوع الكل لرعاتها.

قد يحقق ما لجأ إليه العرب مع ترامب طمأنة مؤقتة للأنظمة العربية، لكنها خدعة، لأنها حصاد خطة أوباما السابقة: إيران أدت دورها فلتحصد إسرائيل.

فشل السيسي، وبدأ حفتر والسبسي والنخب التي تحالفت مع الثورة المضادة، وانهار بشار ومعه كل مليشيات إيران وحتى بوتين، وينبغي القضاء على الثورة.

شرطان:

– تصفية القضية الفلسطينية
– وتصفية المشروع الإسلامي الحديث، أي بناء أمة الإسلام بشروط الحداثة التي لا تقطع مع الأصالة حتى نبقى توابع.

وختاما، فليس الأمر متعلقا بعدم التعامل مع الغرب، فهذا سخف. الأمر متعلق بعدم الاستسلام بالتخلي عن شروط التحرر، وهذا يعني الخطوتين الضروريتين.

لابد من تكامل عربي، ثم تكامل عربي تركي حتى نتمكن من التصدي للصفوية والصهيونية اللتين تريدان استعادة إمبراطوريتهما على أرض السنة في الإقليم، ولا يمكن للأتراك بمفردهم، ولا للعرب بمفردهم، تحقيق شروط الصمود في معركة ذات صفين كلاهما مدعوم بقوة دولية: إيران وروسيا ثم إسرائيل وأمريكا.

سيقول المثبطون: وهل العرب وتركيا يقدران على التصدي لهذا المربع الشرير؟

نعم يستطيعان، فلو كان الأمر يسيرا لما احتاج أعداؤنا لهذا المربع. وهو أيسر مما يتصور الكثير: فغالبية شعوب الإقليم ضد هيمنة الأقليات العرقية والطائفية التي تستقوي بذراعي روسيا وأمريكا، أي إيران وإسرائيل. لكنها لسوء الحظ لم تجد في قياداتها ونخبها من له بحق رؤية استراتيجية، تمكن من الصمود أولا، ومن الهجوم المضاد ثانيا بما شرحت سابقا من خطط.

فالمطاولة أو الجمع بين الحربين النظامية والشعبية، يجعلان سنة الإقليم قوة لا تقهر: فالفلوجة هزمت جيش أمريكا، وما كانت لتسقط لولا خيانة الصحوات، وحينها كانت المقاومة شعبية ولا وجود لداعش. وحتى القاعدة، فقد كانت هامشية في المعركة. المقاومة كانت سنية، وحتى صوفية، وهي شعبية بالأساس. ولو كانت قياداتها واعية بالوضع الاستراتيجي العالمي، لظلت شعبية وموحدة ولاستطاعت بالحرب والدبلوماسية في آن، تحرير العراق وسوريا من الذراعين.

لكن إذا أصبحت الشعوب عديمة القيادة، وأنظمتها ونخبها تعتبرها أعدى أعدائها، فإن الأنظمة والنخب هي التي تمهد الأرض للأعداء بجعل المقاومة فوضى.

ما لم يقدم العرب على لم صفهم، والعمل مع تركيا، فنحن على أبواب ليس تقسيم سايكس بيكو، بل تقسيم صفوي-صهيوني للهلال، وسيطرة عن بعد في بقية الوطن.

ذلك أن السعودية، حتى لو صدقنا أن العدو يريد أن يسلحها، فالخوف هو أن يفعل بها ما فعل بالعراق من خلال صدام مع إيران، ليكون الهلال كله لإسرائيل، فقد غرر الغرب بالعراق فأدخله في حرب مع إيران نرى نتيجتها، إذ إن الغرب ساعد إيران عليه حتى ينفرط عقده أو يكون قاب قوسين من مآله المعلوم.

والسعودية حتى لو صدقت النوايا، لا يمكنها بمفردها أن تحارب إيران مهما سلحوها، وحتى لو سلمنا بأن كل الخليج معها، والجميع يعلم أن ذلك غير صحيح.

لذلك فينبغي الحذر كل الحذر من أن يأكل العدو دار الإسلام بجعل كل قوة عربية مجرد أداة لخططه الخفية، بدعوى حمايتها من إحدى أدواته في خطته.

ودون أن أشكك في أن لإيران نفس الغاية الاسرائيلية (استعادة امبراطورية)، فهي تؤدي وظيفة بهذا الوهم، ولما تنضج الثمرة يهدمها ويهدم العرب معها.

تلك هي خطط برنار لويس، وهنري كسنجر، وكل من يعتبر احتلال الإقليم ودار الإسلام كلها شرطا في بقاء الغرب سيد العالم قرنا آخر، للتصدي للشرق الأقصى.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock