تدوينات تونسية

ربيع العرب بين مليشيات السيف ومليشيات القلم

صالح التيزاوي

لقيت ثورات الربيع العربي، مواجهة عنيفة ممن ارتبطت مصالحهم باستمرار الفساد والإستبداد، من تحالف الداخل والخارج. وليست الثورات العربية في ذلك استثناءا من التاريخ، حيث إن الثورات في بداياتها كثيرا ما تواجه بثورة مضادة أكثر دموية وعنفا، وهذا ما حصل للربيع العربي.

إذ سرعان ما استوعبت القوى المضادة الصدمة، ورتبت أمورهها، وجمعت فلولها، وشبيحتها، وقواديها، وأجمعت كيدها لإجهاض الثورات العربية. تكتلت تلك الشراذم في جبهتين:

“مليشيات السيف” و”مليشيات القلم” (المصطلح للفيلسوف التونسي أبو يعرب المرزوقي).

مليشيات السيف، تجمعت بقيادة السيسي، وبشار، ومخلوع اليمن، وحفتر ليبيا، ومرتزقة الشيعة، وغزاة مهدت لهم أنظمة عميلة، مهما حاولت إخفاء عمالتها بشعارات براقة من قبيل الممانعة، والتحرير، والتصدي للإمبريالية.

أما مليشيات القلم، فهم الذين انحرفوا بالقلم عن وظيفته:

القلم الذي أقسم به خالق العباد، ونوه بفضله، في أكثر من آية في القرآن الكريم. جعلوا منه وسيلة لمدح الأوغاد والسفلة من من المستبدين، وتشويه الثائرين والتحريض عليهم وعلى ثورتهم، وهتك أعراضهم. ما تركوا حيلة تقبح الثورة إلا لجؤوا إليها، وما تركوا تجربة تاريخية فاسدة في قمع الشعوب وثوراتهم، إلا استنسخوها.

أقلام قذرة، احترفت التصفيق للإستبداد على امتداد جغرافية الوطن العربي، وتمجيد دكتاتورياته التي أصبحت وصمة عار للبلاد العربية، حتى عدها البعض “خصوصية عربية” أقلام مأجورة، كانت تتحدث في تونس عن “معجزة بن علي الإقتصادية”، وتسبح بحمد “نظام الممانعة” في سوريا، وتروج للنظرية الأممية الثالثة لمعتوه ليبيا وكتابه الأخضر.

أقلام منزوعة الشرف، ظهرت على قناة الجزيرة ليلة هروب المخلوع تلمع صورته القبيحة، وتبرئه من سفك دماء الشباب الثائر. أقلام مسمومة، كانت كلما انتهت ولاية للمخلوع، ناشدته لأخرى، على أعمدة صحف، تخصصت في تزييف الوعي.

كتب أحد هؤلاء المأجورين ذات يوم عندما كانت تغص سجون المخلوع باصحاب الراي، عندما كانت تزيف الإنتخابات على أوسع نطاق، عندما ضاقت تونس على عشاق الحرية، وأضحت سجنا، كتب تزلفا للمخلوع: “لماذا نحبه”؟ وهو أدرى بالإجابة على سؤاله الساذج، إنه “الطمع والجبن”. ولا شىئ غيره.

جريدة أخرى من زمن الإستبداد، تخصصت اقلامها في المناشدة، وفي التزلف للطرابلسية “عصابة السراق”، كتبت ذات شتاء من عام 2011 عندما بدات إرهاصات الثورة تلوح في الأفق على صفحتها الأولى وبالخط الأحمر والعريض: “بلحسن الطرابلسي يكتب: من أجل تطوير عملية المناشدة.

تلك الأقلام المأجورة التي كانت تأتمر بأوامر عبد الوهاب عبد الله، وترسم سياساتها “وكالة الإتصال الخارجي”، هي ذاتها التي واجهت منظومة انتخابات اكتوبر: 2011، وهي ذاتها التي تداعت إلى اعتصام الرحيل، واستنساخ التجربة الإنقلابية في مصر، وحرضت على تقويض المؤسسات الشرعية: (المجلس التاسيسي والحكومة المنتخبة)، هي ذات الأقلام التي كانت وراء عودة المنظومة القديمة، وهي ذاتها التي تهاجم المؤسسات الدستورية (هيئة الحقيقة والكرامة، واخيرا هيئة الإنتخابات)، هي ذات الأقلام التي تدفع إلى تمرير قانون المصالحة مع ناهبي المال العام، هي ذاتها التي تجرم اليوم الإحتجاجات الشعبية المطالبة بالتنمية، وبفتح ملف الثروات الطبيعية، بعد أن كانت تحرض عليها زمن الترويكا. وهي ذات “الروابط القلمية” التي تباهي اليوم بنسبة نمو تقارب 1،2%، وقد كانت تتهم حكومتي الترويكا بالفشل، وقد حققت نسبة نمو تتراوح بين 3 و4%.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock