مقالات

علة الإنحطاط فقدان الطموح وأخلاق العبيد

أبو يعرب المرزوقي
سأشارك في ندوة حول علاقة العرب والأتراك، وقبل أن أقدم ورقتي، ودون أن أتكلم في مضمونها، أريد أن أجيب عن سؤال محير لا بد لشباب الثورة أن يسأله: ما الذي يزعج حكام العرب وخدمهم من النخب، أي بمليشيات القلم، وهم أخطر على الأمة من مليشيات السيف التابعة لإيران، في سلوك تركيا الحالية؟ 
إنه الطموح
قيادات ونخب تأكل أكل الأنعام، وتعيش عيش الهوام، لا يمكن أن تقبل من يضعها أمام صورتها البائسة وهم يسهمون في اخضاع شعوبهم لغزو مضاعف مرتين.

غيبوبة تجعل إيران بسند روسي، وإسرائيل بسند أمريكي، يستردان امبراطوريتين متقدمتين على إمبراطورية الإسلام التي محت سلطانهم المادي والرمزي.
تركيا، التي تعافت واسترجعت طموحها التاريخي، ولم تنس إنها امبراطورية، حافظت على عزة الإسلام قرونا بعد نكوص العرب للجاهلية، تزعجهم أيما إزعاج.
فهم يخشون أن تحرك في شعوبهم وفي شبابهم طموح من أسس الإمبراطورية التي حماها الأتراك لقرون، بعد تقاعسهم في المشرق والمغرب وخلودهم للكسل والترف.
إن إخلادهم إلى الأرض وصيرورتهم كالكلاب يلهثون، سواء حملت عليهم أم لم تحمل، هو الوضع الذي يخشون عليه، ويخافون أن يتحرك الشعب والشباب طلبا للعزة، لذلك تكالبت مليشيات القلم، فصار القمني والبحيري وزيدان يهاجمون القيم والأعلام والابطال، حتى صار أحقرهم وأفسدهم وأذلهم يحقر من صلاح الدين.
صلاح الدين، الذي كتب فيه أحد كبار فلاسفة الألمان (لاسنج) أجمل رواياته، يحقر منه أكثر روائيي العرب سطحية، لا لشيء إلا لأنه أطاح بمثل من يعبد هو.
صلاح الدين أطاح بالطاغوت الباطني الذي قال فيه شاعره ما أصبح نموذجا لقولهم في السيسي: “فاحكم فأنت الواحد القهار”. ذلك رأيه في السيسي.
بئست نخب هي حثالة الفكر، إذ يدبر فيعتبر تأليه الحكام فضيلة، ويعتبر من أطاح بهم حقيرا. يصدق فيهم قول هيجل في خدم الغرف: لا يعتقدون في البطولة.
بمثل هذه النخب نفهم لماذا يحقدون على أردوغان الذي تمكن من فهم ما في ضمير شعبه من توق إلى العزة والكرامة والحرية، أي شروط حماية الذات ورعايتها.
أما هؤلاء والحكام الذين يستخدمونهم، فهم لا يحيون إلا “حياة” العبيد: مصر بدلا من ان تقود الإقليم، صارت بهم ذيلا لأراذل الباطنية والكبالية.
بئست هذه الحثالة حكاما ونخبا عميلة، هي مليشيات قلم مبتذل وجودها، أخطر من مليشيات السيف بصنفيها التابعين لإيران تشويها لآل البيت وللسنة.
يعيبون على أردوغان النزعة العثمانية، وينسون أن ذلك من حق أي شعب ذي أمجاد، خاصة وهو الوحيد حاليا الذي يدفع عن الأمة شروط الطموحين الغازيين.
أردوغان لم يمنع العرب من استرداد طموحهم، بل هو يحاول ما استطاع إلى ذلك سبيلا لجعلهم يستردون دورهم: فهو لا يحلم مثل حلفائهم غزو الحرمين.
يحالفون من يفاخر بغزو أربع عواصم عربية، ويخطط لاحتلال الحرمين، ويعادون من كان شعبه الدرع الحامية لحضارة الإسلام إلى بداية القرن الماضي.
لكني لا أعجب من ذلك، فهم أنظمة ونخبا عميلة فسدت فيهم معاني الإنسانية بمصطلح ابن خلدون: أصبحت أخلاقهم أخلاق عبيد، عيالا على الغير حماية ورعاية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock