تدوينات تونسية

أقف إجلالا لكل بوكشّاش يصادفني

الطيب الجوادي
الطيب وهنيّة : لوحة 10
كان منزلنا المبنيّ بالطوب، والمسقوف بجذوع الأشجار مرتعا للبوكشّاشات التي تحبّذ بطبعها هذه الأماكن، وتتصرّف فيها “على راحتها”، بكل انسجام وانشكاح.
وكانت هنيّة تحذّرنا بصرامة من الاعتداء عليها أو قتلها، باعتبار أنها “ما تضرّش” وأنقذت سيدنا النبي من العقرب عندما كان ينام وحيدا في الصحراء وهو طفل!
ومع أنني لم اجد أي سند لهذه الحكاية في كتب السيرة او التاريخ فقد كان علينا جميعا معاملة هذا الكائن المقرف بكل اجلال وتقدير والسماح له ان يجوس في غرفتنا الوحيدة بكل أمان، وأن ينام معنا على الحصير وان يمرّ على أجسادنا وان يشاركنا حياتنا وكأنه واحد منا، ولا اعرف مالذي دفعني يوما إلى أن “أضربه” بشلاكة هنيّة فأشج رأسه، فراح ينزف، و يتخبط ذات اليمين وذات اليسار، ومن سوء حظي دخلت هنية لتجده في تلك الوضعية فصرخت وامسكت وجهها وانهالت علي ضربا وهي تردد:
– وعلاش تقتل فيه، والله إلا ما تصيرلنا حاجة الجمعة هذي، تو تشوف!
وصادف أن دهست شاحنة إحدى شياهنا في الطريق العمومي الذي يشق قريتنا، فإذا هنيّة تذكّرني بأنني سبب ما حصل لأنني اعتديت على “البوكشّاش” وتغمغم سعيدة:
– الحمد الله جت في النعجة موش في حاجة ما أكبر.
ومن يومها وأنا أقف اجلالا لكل بوكشّاش يصادفني.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock