تدوينات تونسية

سبع سنوات عجاف، لإعادة اختراع الصحافة

كمال الشارني
ترشحات “تعويم المهنة” في نقابة الصحفيين: من يجيب على هذه الأسئلة ؟
تمر مهنة الصحافة هذه الأيام بتحديات مبدئية تتعلق بالمصداقية، وبتعريف العمل الصحفي وعلاقته بالتمويل والولاء الحزبي وتحول بعض المحسوبين على المهنة إلى قردة يسلّون المارة بالتشقلب الأخلاقي اليومي، بمصير أكثر من ثلاثة آلاف شخص يشتغلون في مهنة الصحافة بصيغ مختلفة، دون اعتبار ثلاثة أضعافهم من التقنيين والإداريين.
وبالنظر إلى التحديات الخطيرة التي تعيشها مهنة الصحافة مقارنة بنوعية الترشحات المعلنة اليوم لمكتب نقابة الصحفيين، التي ظلت حتى آخر لحظة طيّ الكتمان ولم يرافقها أي شكل من أشكال تقديم البرامج والمقترحات والنقاشات والإجابة على التحديات، فإن كل مؤشرات استضعاف وتعويم هذه المهنة على طريقة تعويم الدينار أصبحت واضحة، تعويمها في المصطلحات الخاطئة والنوايا الشخصية البذيئة، تماما مثل التهريب والتهرب الجبائي، هو مرض عام يضرب الصحافة أولا، ثم ينتقل إلى بقية القطاعات.
تعيش كل المؤسسات الإعلامية التقليدية صعوبات مالية عميقة بسبب الانتقال الموجع من وسائل العمل الصحفي التقليدية إلى الأنماط الحديثة للإعلام، لا يملك أصحاب هذه المؤسسات أي أجوبة على هذه الصعوبات غير طرد أكثر ما أمكن من الصحفيين الشبان، والتنازل عن قيم المهنة مقابل تسول التمويل، سواء كان شرعيا في شكل إشهار أو إجراميا في شكل تمويل سياسي فاسد، إنما في كل الحالات، الضحية هو الوطن، في شكل بيع القيم والأخلاق والحقيقة بالمال، ثم العمال، من الصحفيين والتقنيين والموظفين، أمام مهنة الصحافة سنوات عجاف طويلة، كثير من الزملاء الذين سيفقدون عملهم أو سيشاركون في تزييف الوعي العام مضطرين بسبب الجوع، جوع أصحاب المؤسسات، وفشلهم في إنتاج إعلام وطني يشتريه الناس، وبعد سنوات التيه، ستعيد الأجيال القادمة اختراع الإعلام الوطني.
إنما، في ظل هذه المرحلة المفصلية الخطيرة التي تشهد استغلال حرية الإعلام لتزييف الوعي الوطني العام، ثمة مواضيع لا تزال محرمة، إنما كان يجب أن تطرح في أي مؤتمر لنقابة الصحفيين، مثل فصل الإدارة عن التحرير، وكشف تمويلات المؤسسات الإعلامية الخاصة وأسباب إقبال التونسيين على برامج ابتزاز العواطف والدموع وانتهاك الحقوق العامة والخاصة، هذه المواضيع محرمة لأنها تمس الدجاجة التي تبيض ذهبا لأصحاب المؤسسات والكثير من المافيا، وتبيض الضراط المهني لهذه المؤسسات، تمس الحقوق الأساسية المضمنة في قانون الشغل للصحفيين الذين يقضون أشهرا يتوسلون للإدارة لنيل أقل من الأجر الصناعي الأدنى المضمون، خوفا من الطرد، من يترشح باسم هؤلاء ؟ باسم أن الصحفي الجائع لا ينتج غير صحافة ذليلة بالجوع مثلا ؟
مرت الترشحات لنقابة الصحفيين بمراحل صمت وغموض لا مبرر لهما أخلاقيا ولا نقابيا. اليوم، عرفنا، فأصبنا بخيبة أمل حين رأينا تفاصيل القائمة، أسماء نبيلة كثيرة كان يجب أن تترشح وأن تمثل كاريزما لجمهور الصحفيين لكنها تراجعت، أسماء ما كان يجب لها أن تترشح حتى في جمعية رعاية الحلزون، هل هو اليأس والإحباط العام ؟ لماذا يتقدم الزنوس للترشح أصلا طالما هم لا يقدرون على جمع ثلاثة أشخاص حول طاولة دون الخلاف مع أحدهم ؟
ثمة موجة عارمة من طلب المنفعة والسطحية والجرأة على القيم والمنظمات تضرب هذه البلاد، أسوأ ما يمكن أن يصل إليه مجتمع ما، هو أن يختار السيء، تفاديا للأسوأ، هذه نخبة البلاد يا إلهي.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock