تدوينات عربية

أسفاري واللغات الحية (20)

أحمد القاري
معرض فرانكفورت للكتاب
أيقظتني تجربة زيارة العالم الصيني من أوهام لغوية عديدة كنت أعيشها.
ثم جاءت زيارة معرض فرانكفورت للكتاب في ألمانيا في أكتوبر 2006 لتفتح عيني أكثر على حقائق العالم اللغوية، البعيدة تماما عن مسلمات مجتمعات المغرب الكبير.
حطت بي الطائرة في مطار فرانكفورت في أول زيارة لأوربا. وهي مكان مناسب لبدء التعرف على القارة التي تشغل مخيلتنا ونحلم بها من الصغر.
كان ذلك أفضل من البدء من فرنسا أو إسبانيا. وكان جيدا أن أبدأ من حدث ثقافي متميز هو معرض الكتاب الدولي السنوي.
التواصل بالإنجليزية أسهل في ألمانيا منه في الصين. حيث نسبة مهمة من الناس تتحدث الإنجليزية. ولكن سيادة الألمانية واضحة ولا تمس. فهي اللغة الأولى للإشارات والمطبوعات والتواصل والإعلام والتعليم. وهم لا يستخدمون الإنجليزية إلا عند الحاجة لها.
وكان من الواضح أن تحدث الإنجليزية لا يرتبط بوضع اجتماعي أرقى من الحديث بالألمانية.
لقد هزموا في الحرب الثانية شر هزيمة. ولكن يبدو أنها هزيمة لم تتسرب للجانب اللغوي كما حصل معنا.
كان هدفي من زيارة معرض الكتاب الاطلاع على حالة صناعة النشر في العالم. فقد كنت أدير مكتبة تجارية في مدينة العيون بالصحراء وكنت أطمح لتطوير المشروع ليصبح دار نشر ولتكون له فروع في مدن أخرى.
كنت اشتغلت عن طريق المكتبة وبالتعاون مع جمعيات في أنشطة لتشجيع القراءة. وعلى الخصوص كانت تجربة معارض الكتاب السنوية التي نظمتها جمعية نادي الشروق خلال رمضان أواخر التسعينات تجربة مهمة للغاية.
شاركت في تنظيم عدد من تلك المعارض من خلال تنسيق اختيار وإحضار الكتب بالتعاون مع دور نشر وتوزيع في الدار البيضاء.
كان المعرض ينظم في قاعات دار الشباب في شارع السمارة. وكان الفريق المشرف عليه متطوعا. والغرض الأساسي منه تقريب الكتاب من الناس وحثهم على القراءة.
نظمت مكتبة الإرشاد ومكتبات أخرى في العيون معارض في المدارس الثانوية وتحسن انتشار الكتاب ومستوى المكتبات التجارية كثيرا في المدينة.
كنت أقرأ عن تجارب البلدان الأخرى في تشجيع القراءة وكانت الفجوة بيننا وبينهم تظهر لي كبيرة. ولكن زيارة معرض فرانكفورت ستبين لي أنها فجوة أكبر كثيرا مما تصورت.
زرت المعرض لآخذ منه أفكارا محفزة للعمل لخدمة صناعة القراءة في المغرب، وخرجت منه محبطا ومقتنعا أن سياسات نشر القراءة وخدمة الكتاب أكبر من المبادرات الشخصية ومن عمل الجمعيات. إنها عمل مجتمع، وجزء كبير منه يقع على عاتق الدولة.
صادفت تنظيم إدارة المعرض لدورة تكوينية لفائدة الناشرين العرب فشاركت فيها. حصلنا على شروح قدمها مختصون في توزيع الكتب وفي النشر وإدارة المكتبات التجارية.
التجربة الألمانية تسبب الصدمة عند مقارنتها بالحالة في البلدان العربية.
مسؤول كبرى شركات التوزيع شرح لنا كيف تسير مخازن الكتب بطريقة آلية يتم فيها جمع طلبات المكتبات اليومية من الكتب بواسطة روبوتات تضع الكتب المطلوبة في أوعية بلاستيكية تتجمع عند السيارة التي ستنقل الطلبات إلى المدينة أو الحي المعني.
يتم جمع الطلبات آليا بشكل تام. وباعتماد رموز الأعمدة والترقيم المعلوماتي على رفوف شاهقة الطول. تتنقل الأوعية عبر سكك وتوضع فيها الكتب بوساطة أذرع روبوتية.
عند نهاية جمع الطلب يختم عليه بغطاء بلاستيكي يحمل عنوان المكتبة الموجه إليها الطلب.
شركة اللوجيستيك مملوكة لشركة التوزيع. وشاحناتها الكثيرة تنطلق فجرا لتوزيع الطلبيات. وسائقوا الشاحنات يملكون نسخا من مفاتيح المكتبات فيفتح السائق الباب ويدخل الطلب ويغلقه من جديد، إذا حضر قبل وقت فتح المكتبة.
النشر في ألمانيا نشط جدا. ويعد صناعة مربحة. ومعظم محتوى المكتبات باللغة الألمانية. فبرغم أنها لغة لها عدد محدود من المتكلمين فإن الترجمة والنشر تتولى جعلها واحدة من أكثر اللغات في العالم استيعابا للكتب الأجنبية عن طريق الترجمة إلى الألمانية.
كان محدثونا الألمان يتحدثون باستمتاع عن عملهم في صناعة الكتاب وكانوا فخورين بما أنجزوه في هذا المجال. بينما كان الناشرون العرب الحاضرون متذمرين كالعادة وكثيري الشكوى من حال صناعة النشر العربية. معظمهم يقضون وقتهم في توسل زبائنهم لأداء ما عليهم من ديون. وبعضهم لا يجد حرجا في القول بأنه لا يجد وقتا للقراءة! تماما كما لو أن رياضيا محترفا يقول إنه لا يجد وقتا للتدريب! يا ناشر الكتب، إذا لم تكن تقرأ فكيف تدعي أنك ناشر؟
#لغات_حية 20

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock