تدوينات تونسية

الصّعلكة السياسيّة وغوغاء المشهد

منجي باكير

السّياسة في عمومها يمكن أن تعرّف بإيجاز عمليّ أنّها احتراف عالي في تدبير وتسيير البلدان وتحلّي بالصّبر وبُعد النّظر ودقّة الإستشراف، ولذلك كانت فعلا نُخبويّا وميزة لا تتأتّى لعامّة النّاس ورعاعهم،،، ولا يستقيم تعاطيها إلاّ لمن يبرع في تذليل العقبات واجتياز المحن وخلق مخارج الأزمات و دقّ أبواب دوائر المستحيل، لهذا يطلق على السّياسة عُرفا بأنّها فنّ الممكن أو حتّى فنّ المستحيل…!

لكنّ الذي نراه عندنا من تفاعلات في المشهد السّياسي المحلّي لا يشير لا من قريب ولا من بعيد لحراك يمكن أن نطلق عليه -فعلا سياسيّا- ولا نجد عموما رجال سياسة فعليين فضلا عن انعدام رجال دولة قادرين على خلق ديناميكيّة سياسيّة فاعلة وتأثيث مشهد سياسي حقيقي ولا وجود أيضا لتحرّكات أو مبادرات ذات بُعد ومرجعيّة فكريّة سياسيّة يمكن أن تسدّ هذا الفراغ وتقطع مع الإعتباطيّة والغوغائيّة السّائدة.

فقط هو التعاطي الشّمولي مع الواقع والإنشطارات الحزبيّة لتضارب مصالح أفرادها وتنطّع بعض الشّخوص لغاية المصلحة برصيد صفر أو ما يقاربه في الحقل السّياسي والعمل الحزبي المنظّم، يبيعون الكلام ملبّسا بالأوهام على قارعة حوانيت الإعلام إعتقادا منهم أنّ الشّرعيّة تمرّ عبر الصّورة بعد أن ثبت تخلّفهم عن ناتج شرعيّة الصندوق الإنتخابي أو لمواراة فوبيا الخسارة التي تتملّكهم وتلازمهم من قادم المحطّات، ولهذا فإنّهم وجدوا -حسب حدود أفهامهم- خلاصهم في إدمان الظهور الإعلامي مستأنسين بمتابعة صفحات التواصل الإجتماعي لاستقراء ما يظنّونه خطأ أنّه رأي الشارع أو الرّأي العام.

هذا الإنخفاض في التعاطي السّياسي ورعونة التفاعل زائد وعي جماهيري متّقد وخيبات أمل متتالية ولّد أزمات ثقة بين كثير من هؤلاء الشّاغلين للمشهد السّياسي سواء على مستوى الأحزاب أو الأشخاص وخلق مللا من السّياسة والسّياسيين الذين باتوا عنده في حكم الفشلة والنصّابين وزاد هذا الحكم تعقيدا مع تلوّن بعض السّياسيين وانتقالهم من ضفّة إلى أخرى -بدافع المصلحة الذّاتية- تلوّن وتبديل مواقع تصحبه ضوضاء وشتائم وفضائح وتسريبات تقدح في مصداقيّة الصفّ الذي كان يُؤويه سابقا وكان هو يدافع -بشراسة- عن توجّهاته…!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock