مقالات

السيادة الوطنية… موش كلام

بشير ذياب

يقول الدكتور عبد الله النفيسي “السياسة ليست حشيشا أو شيئا يحضُره القانون… ومجالس الوزارات والوزراء وجيوشهم الإدارية ووزاراتهم ما هي إلا أدوات لتنفيذ القرار السياسي من كونه فكرة تتأرجح في رأس الأمير أو الملك أو الرئيس إلى واقع نعيشه في البيوت بل حتى في المضاجع والمطابخ”، ومن هذا المنطلق فإن إلتباس مفهوم مصطلحات سياديّة مثل مفهوم الدولة عند رجل السياسية هو إلتباس متعدّي أثناء ممارسة السلطة وأثناء صياغة القرار السياسي الذي يطال حتى بيوت نومنا، أريد أن أذكّر السادة السياسيين بأمرين، أن السلطة أحد مكونات الدولة، وأن الشعب مكوّنا كما السّلطة وكما الأرض، ولا يجب على السياسي أن يختصر الدولة ولا حتى النّظام في شخص السّلطة التنفيذية لأنها أيضا أحد السّلط الثلاث في المفهوم التقليدي للسلطة وأحد خامس مكوناتها إذا أضفنا سلطة الإعلام والسلطة التعديلية لمنظمات المجتمع المدني التي يبدو جليّا أنها أصبحت تنازع السلطة التنفيذية صلاحياتها بل وتلوي ذراعها.

السيادة الوطنية ليست شعارا يرفع في حالة عاطفية أو قرار سياسي يتّخذ في حالة هيجان، السيادة الوطنية بناء له نقاط إرتكاز لا بدّ من تحقيقها، هي حركة في حقل من الألغام يتطلّب دراية واسعة لإستكشافها وتعطيل مفاعيلها كي لا تنفجر في وجوهنا فتسبّب لنا عاهات مزمنة، السيادة الوطنية هي القدرة على إتخاذ القرار السياسي، والقرار السياسي ليس “وجبة سريعة” تطبخ على مزاج رئيس الحكومة أو غيره، هو معركة تبدأ ناعمة في أوّلها لكن آخر مراحلها الحرب العسكرية، لأن الحروب في النهاية هي فرض بلغة القوّة لما عجزت عنه لغة السياسة، وأكبر الخاسرين فيها هو الطرف الذي تدور على أرضه وتكون نساؤه وأطفاله هم وقودها، لذلك فإن المراحل التي تسبقها يجب أن لا تؤدي إليها إلا إضطرارا، وهنا تتدخّل الحنكة السياسية للسلطة لتلتحم مع بقية شروط تأمين السيادة الوطنية وأولها تأمين الجبهة الداخلية، المدخل الأكبر لكل أنواع الفوضى وأشنع أنواع الهزيمة، ومن يتذكر سقوط بغداد في حرب الخليج يدرك جيّدا معنى تفكّك الجبهة الداخلية، حين يدخل جزء ممن يفترض أن يدافعوا عن الوطن على ظهر دبابة العدوّ فاتحين، الوحدة المقدّسة هي الشرط الأول من شروط المعادلة.

الشرط الثاني هو القدرة على تأمين الغذاء والدواء وهي الشروط الدنيا التي يجب أن يوفّرها أي نظام سياسي أو لنقل أن تكون له القدرة على تأمينها، وهنا فقط أشير أننا اليوم في حالة سلم، ونصف الإقتصاد الوطني يدار في السوق السوداء، وجزء هام من قوتنا اليومي نستورده من وراء البحار، وحتى الصناعات المتونسة فإنها تظل في خاماتها وآلياتها مرتبطة بما وراء البحار وفي ظل تشتّت وتشرذم الأنظمة العربية القائمة، فإنه لا يمكن التعويل على أحد منهم في حروب مصيريّة، فالشعوب العربية لا تملك غير الدعاء، فالعراق طبّق عليه العرب قبل الغرب عقوبات “القوى العظمى المتحدة”.

أما الشرط الثالث فهو أن يكون للدولة جيشا وطنيا قويا قادرا على ردع أي عدوان داخلي أو خارجي، والقوة هنا ليست العقيدة العسكرية وحدها أو الروح القتالية للجنود، وإن كانت عنصرا من عناصرها الحاسمة، التي لم يفلح الجيش الروسي في تجاوزها في أفغانستان، كما لم يفلح الجيش الأمريكي بقدراته الهائلة في تجاوزها في فياتنام كما تهاوى على عتباتها في كل من العراق وأفغانستان، لكنّنا في هذه الحالة لا يمكن الحديث عن السيادة الوطنية بل نتحدث عن تحرير أرض مستباحة، فهي حرب تحرير، وهي مرحلة نكون ببلوغها أثبتنا أن أسوار سيادتنا الوطنية كانت هشّة ومتآكلة، هنا يمكن أن نتحدث عن تركيا وإيران لنبرز ونحن نتحدث عن المثال التركي قيمة تأمين جبهة داخلية قوية ومتينة وقفت ضد الإنقلاب العسكري الأخير في تجلّ راق لمفهوم الممارسة الديمقراطية، يقف فيه أردوغان جنبا لجنب مع أشرس المعارضين لنظامه السياسي، وحين نتحدث عن المثال الإيراني، فنحن نتحدث عن تمازج الدهاء السياسي بالقدرة على الفعل العسكري على الأرض.

في النهاية أقول للجميع، السيادة الوطنية “موش كلام” السيادة الوطنية بناء يتربى عليه الطفل في الروضة والتلميذ في المدرسة والعامل في المصنع والموظف في الإدارة، والسياسي هو في النهاية سليل هذه السلسلة، وما لم نحرص على نظام تربوي ونظام إداري مفعم بحب الإنتماء لهذه الأرض، ثقافة وتاريخا وجغرافيا، فإنه لا يمكننا الحديث عن السيادة الوطنية.

أما الأمن القومي فكل ما ذكر يضاف إليه القدرة على إستشراف وإستشعار ما يمكن أن يهدّد السيادة الوطنية برّا وبحرا وجوّا والقدرة على إبطال مفعوله بكفاءة وما تتطلبه هذه العملية من أدوات عسكرية وإستخباراتية ولوجيستية وإعلامية… وأمام هذا المشهد الدرامي للممارسة السياسية لا يمكن أن نرفع شعارات سيادية، لأنها تتطلب في الحدّ الأدنى برنامجا سياسيا متكاملا لتحقيقها، أما البرامج السياسية التي تبنى على الإقصاء والتفرقة ومن ليس معي فهو ضدّي بفكر قبلي متآكل تضرب جذوره في حرب البسوس فإننا لا يمكننا الحديث عن السيادة ولا عن الأمن، لأن السيادة موش كلام.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock