تدوينات عربية

أسفاري واللغات الحية (13)

أحمد القاري

يحك المثقف المغاربي رأسه وينطق كلمة فرنسية أصلها يوناني ويحسب أنه أمسك ذيل السبع.
الوسط “الثقافي” و”الأكاديمي” ربط المعرفة بالرطانة بلغة أجنبية. ولما كان أغلب أساتذة الجامعات لا يحسنون من اللغات الأجنبية إلا الفرنسية فقد صارت الفرنسية هي “اللغات الأجنبية” وهي “اللغة الحية”.
و لا تكون الندوة ندوة إلا بالفرنسية أو مزدوجة اللغة. ولو حضر أجنبي واحد تحول الجميع من أجله للتحدث بالفرنسية وإن كان الشخص من منطقة الفلاميين ببلجيكا وهم لا يطيقون الفرنسية.

وقبل مدة حضرت ندوة بالرباط فكان سلوك الرموز الثقافية المغربية علامة على منزلة اللغات الوطنية عندهم.
تكلم مصطفى السحيمي فرنسية خالصة مع أن الموضوع كان عن الربيع العربي وبحضور ضيوف من المشرق.
وكان رفيقه الطوزي أقل تشددا. فتحدث بالعربية. ولكنه كان يتوقف من حين لآخر ليعبر بمصطلح أو جملة فرنسية ويقول إنه لم يجد ما يرادفها في العربية.
ولا أدري كيف كان على الصينيين أن يتصرفوا لو فكروا بنفس الطريقة.
فالصينية تعتمد في تكوين الكلمات والمعاني على مقاطع صوتية. ومن أجل النبرة فهي تكون مقاطع طويلة. فليس في الصينية إمكانية أن تتوالى الحروف الساكنة على النحو الموجود في اللغات المألوفة عندنا. إلا ما كان في الأصوات (تس) و (تج) و (تش). فالمقطع الصوتي لا بد أن يشمل في آخره مدا واضحا.
أدى هذا السلوك اللغوي إلى محدودية رصيد الأصوات التي يمكن الأخذ منها لتكوين الكلمات. وهو أمر وضع تحديا أمام الصينيين في نحت كلمات جديدة. فصارت عدد كبير من الكلمات متشابها صوتيا وإن اختلفت كتابته ومعناه. ولذلك يعتمد الصينيون في فهم الخطاب، وخاصة منه المتخصص، على السياق وما يسبق الكلمة ويليها.
في ظل هذا الوضع هل أخذ الصينيون كلمات “اللوجيا” وأدخلوها لغتهم؟ أبدا. لقد ترجموا كل كلمة لصيغة صينية. بحيث لا تسمع “سوسيولوجيا” ولا “بيولوجيا” و”إيديولوجيا” بل تسمع مرادفاتها الصينية.
وقد طلبت من أخي عبد القادر بوعيدة، باعتباره يحسن الصينية أن يبحث في حضور “اللوجيا” في كلام الصينيين فأكد أن كل الكلمات “اللوجية” ترجمت لصيغة صينية بحتة.
لذلك على نخبتنا المثقفة أن تعي أن قولك “عقيدة” بدل “إيديولوجيا” لا يفسد المعنى. وأن “علم المجتمع” أنسب لحديثك العربي من “سوسيولوجيا” وأن “علم النفس” تناسب السياق العربي ويفهمها عدد أكبر من الناس من تكلف “بسيكولوجيا” أو “سايكولوجيا”.
تكلف الكلمات الصعبة على الجمهور لإظهار التفوق والمعرفة كان دائما أمرا ممقوتا ومحتقرا في المجتمع العربي. وقصص النحويين الذين يبحثون عن عبارات صعبة وما تعرضوا له من سخرية كثيرة ومشهورة. ويكفي اسمه للتعبير عنه فهو يسمى “التقعر”.
ومن قصصهم في ذلك خبر الرجل الذي وضع في المسجد رقاعا يريد الناس أن يدعوا لأمه المسنة التي خرفت وصارت تأكل الطين، فكتب “صِينَ امرؤ ورُعَيَ دعى لامرأة إنقحلة مقسئنة قد منيت بأكل الطرموق فأصابها من أجله الاستمصال أن يمن الله عليها بالإطرغشاش والإبرغشاش” فكان كل من قرأ رقعته دعى عليها ولعنه ولعن أمه.
وضوح الخطاب وبساطته من صفات المعرفة. وتعقيد اللغة والتقعر يعبر عن عجز المتحدث وجهله. ومن أشد أنواع التقعر استخدام كلمات أجنبية بدون ضرورة.
#لغات_حية 13
تخربيقولوجيا

#اليومالعالميللغة_العربية

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock