تدوينات تونسية

التدريس بعد الظهر أشبه بالدخول في غيبوبة

شادية قاسمي
أترك الشمس ساطعة فأخرج لاجد الليل جنّ.. فأجنّ أدرسهم نحواً وصرفاً تمر الساعة في جلباب ثلاث ساعات… وتتحول الدقائق ضفادع تنقّ في بطء يسافر من يسافر ويعود والساعات المسائية لا تنتهي… تحبل جارتي وتضع مولودها وأنا ما أزال أدرّس.. يزرع أهلي قمحاً ويحصدونه وساعاتي لا تنتهي… أضيف لهم درساً في المطالعة… فأجد أنه لم تمض إلا نصف ساعة منذ دخلت القسم… أقتطع دقيقة لأسأل عن أبي فأجده وصل إلى مرسيليا… أعود لأدرس التلاميذ حصة أخرى والساعة الاولى لم تكتمل… تأتيني ارسالية من جارتي التي ولدت بداية الساعة تلومني على مضي أربعة شهور ولم أذهب لتهنئتها، أقسم أنني من نصف ساعة دخلت القسم، تغلق الخط، تنمو شوارب الاولاد، وتكبر الفتيات ويبقى ربع ساعة لتنتهي السّاعة الاولى… تمطر وتصحو ويتجمهر الأولياء الذين قدموا يسألون عن أولادهم الغائبين في قسمي منذ ستة أشهر.. أوضح لهم أننا دخلنا منذ ساعة فقط…
الوقت خارج القسم لا يمضي بنفس الوتيرة مع الوقت داخله… يقابلون أولادهم بين الحصتين قبلات ودموع وغياب.. يتركونهم معي مرة أخرى وتمضي الدقائق بنفس البطء تهاتفني أمي أن أبي عاد من فرنسا منذ أسبوع، أمي أنا هنا منذ ساعة ؟ تغلق الهاتف. الوقت ليس هو الوقت هنا وفي الخارج… مع فسحة الساعة الرابعة أرى جارتي التي حبلت وولدت تشد طفلا وتشيح عني وجهها أتأتئ… ستسجل ابنها في المدرسة !!!
ماذا يحصل!! لا يمر الوقت بنفس الطول والشكل بين الخارج وساعات العمل بعد الظهر…
أعود للبيت فأجد رجلا بلحية بيضاء يشاهد برامج لم أره.. تباً إنه زوجي الذي غادرته منذ ساعات لأدرس ساعات ما بعد الظهر الهلامية…

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock