تدوينات تونسية

إلى يوسف الشاهد، في تطاوين، الشفافية في الثروات الإستخراجية مدخل لاستعادة الثقة…

عبد السلام الزبيدي
الاحتجاج الإجتماعي وصعوبة الوضع المالي والاقتصادي وجدل الطبقة السياسية حول إرساء المجالس والهيئات وحول بعض مشاريع القوانين وعدم استقرار الوضع الأمني والسياسي في الدولة الجارة ليبيا، تُعتبر نقاط ضعف المشهد الوطني عموما وليس المشهد السياسي، ذلك أنّ مفاعيلها وتأثيراتها لن تتضرر منها رئاسة الجمهورية أو حكومة يوسف الشاهد أو الائتلاف الحزبي الحاكم والمنظمات الوطنية الداعمة فقط بل ستتضرر الدولة ككل ومسار الانتقال الديمقراطي بما هو مُنتَج الثورة الأساسي والمُميَّز للتجربة التونسية.
الماسكون بالسلطة اليوم يحاولون تدارك نقاط الضعف تلك دون أن يسجلوا نجاحا ذَا اعتبار، غير أنّهم أغفلوا إحدى أهم أبجديات العمل السياسي وتقدير المواقف فيه والمتمثل في ضرورة القيام بالتحليل الرباعي (نقاط الضعف ونقاط القوة والمخاطر والفرص). فنقطة الضعف الرئيسية اليوم هي التركيز على نقاط الضعف والمخاطر ومحاولة تلافيها (وهذا مطلوب وضروري) دون إيلاء الأهمية اللازمة لنقاط القوة وللفرص. أرشيف الحكومة رئاسةً ووزارات يُمثِّل أولى نقاط القوة، وسنضرب على ذلك مثالا وفي رصيدنا عدد كبير منها.
الأزمة الحالية في تطاوين تعاطت معها الحكومة ورئيسها على أساس أنها أزمة تشغيل أساسا فحملت معها و”في يدها” حزمةً من القرارات ذات الصبغة التشغيلية بغض النظر عن طبيعتها (دائمة أو ظرفية أو هشّة)، في حين أنّ جوهر الأزمة هي انعدام الثقة في السلطة المركزية في علاقة بالشفافية في الثروات الطبيعية وفي عدالة توزيعها ليس وطنيا فقط وإنما خارجيا كذلك.
أرشيف الحكومة يحتوي تجربة أثبتت نجاحها وهي انتهاج وزارة الطاقة والمناجم لحظة التأسيس (رئيس الحكومة الحبيب الصيد والوزير منجي مرزوق) سياسة الشفافية بنشر العقود والعمل تدريجيا على نشر ليس الإنتاج الشهري العام وإنما التفصيلي إضافة إلى الزام المؤسسة الأم (المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية) بضرورة النشر الدقيق لكل المعطيات المالية والجبائية، أضف إلى ذلك أنّ الوزارة حينها اتخذت خيار إعادة النظر في مجلة المحروقات (وكذلك المناجم) برُمتّها لجعلها أكثر عدالة وشفافية. لكن المؤسف هو أنّ الشفافية اليوم في ذات الوزارة غدت جزءا من الملفات المسكوت عنها.
لقد كان بوسع رئيس الحكومة عند زيارته لتطاوين أن يُعلن عن التزامات ذات صلة بالشفافية وذلك ضمن رؤية شاملة وتشاركية، وهي في الحقيقة رؤية موجودة في أرشيف الحكومة (الانخراط في المبادرة الدولية للشفافية في الصناعات الاستخراجية، وهي مبادرة قوامها التشاركية مع المجتمع المدني في هذا الملف الحسّاس).
أرشيف الحكومة يحتوي جهدا محمودا في نطاق المسؤولية المجتمعية للشركات البترولية، وكان بإمكان رئيس الحكومة أن يرتقي بهذه الآلية إلى مستوى القانون علما وأنه توجد مبادرة تشريعية من النواب في هذا الباب، ولا يوجد إيّ مانع قانوني أمام الحكومة للتبنّي والتطوير ودعوة المحتجين للإسهام فيه ضمن استشارة وفق آجال زمنية تشمل كل مناطق الانتاج والتطوير وليس تطاوين فقط…
أرشيف الحكومة يحتوي وعودا والتزامات لا يمكن شطبها بالقول أنها لم تكن واقعية، بل المطلوب هو القيام بعملية جرد تفصيلي لها ومتابعتها من حيث الإنجاز والتنفيذ وتقديم جدول تفصيلي لها لعموم المعنيين مع وضع الاصبع على ما أنجز وما هو بصدد الإنجاز وما هو مبرمج فعليا، وهنا يمكن وضع قائمة في الوعود غير القابلة للتنفيذ مع عدم الاكتفاء بذلك بل ضرورة تقديم البدائل الواقعية. وبذلك تحافظ الحكومة على مفهوم استمرارية الدولة وتنتزع ثقة المواطن بِحُكْم تصرّفها الأخلاقي. أمّا شطب الوعود السابقة وتعليقها على كاهل السلف فلن يُثمر إلاّ اهتزاز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، دولة كلما جاءت حكومة نفضت يدها من التزامات السابقين…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock